الاحتلال يهدم منشأة تجارية ومنزلين ويجرف اشجار زيتون في حزما وبيت حنينا    "التربية": 12,820 طالبا استُشهدوا و20,702 أصيبوا منذ بداية العدوان    الاحتلال يجبر الجرحى والمرضى على إخلاء المستشفى الاندونيسي شمال قطاع غزة    إصابة 3 مواطنين واعتقال رابع إثر اقتحام قوات الاحتلال مدينة نابلس ومخيم بلاطة    الأمم المتحدة تطلب رأي "العدل الدولية" في التزامات إسرائيل في فلسطين    عدوان اسرائيلي على مخيم طولكرم: شهيد وتدمير كبير في البنية التحتية وممتلكات المواطنين    الإعلان عن مراسم وداع وتشييع القائد الوطني المناضل الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    "مركزية فتح": نجدد ثقتنا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية ونقف معها في المهمات الوطنية التي تقوم بها    17 شهيدا في قصف الاحتلال مركزي إيواء ومجموعة مواطنين في غزة    الرئيس ينعى المناضل الوطني الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    سلطة النقد: جهة مشبوهة تنفذ سطوا على أحد فروع البنوك في قطاع غزة    و3 إصابات بجروح خطيرة في قصف الاحتلال مركبة بمخيم طولكرم    الرئيس: حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيسهم في بقاء الأمل بمستقبل أفضل لشعبنا والمنطقة    "استغلال الأطفال"... ظاهرة دخيلة على القيم الوطنية وجريمة يحاسب عليها القانون    "التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان  

"التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان

الآن

المصالحة مع الذات - د. حنا عيسى

رغم تعدد التعاريف السائدة في الوقت الحاضر لمفهوم المصالحة الوطنية، إلا انه مفهومٌ حديثٌ بدأ استخدامه وتطبيقه مع نهاية الربع الأخير من القرن العشرين ولاسيما في بعض دول أميركا الجنوبية، وأقطار المنظومة الاشتراكية سابقاً، وبعض البلدان الإفريقية، والتي بدأت تشهد في تلك الفترة انتقالاً بأسلوب الحكم من المجتمع المغلق إلى المجتمع المدني الديمقراطي، إذ قدّر (صموئيل هانتنغتون) صاحب نظرية صراع الحضارات هذا الانتقال بأنه شمل أكثر من 40 دولة، وترافق ذلك مع نهاية الاستعمار الذي ساد تلك الدول، وانطلاق عجلة الإصلاح وترسيخ مفهوم المواطنة، وتفعيل دور المؤسسات القضائية وسيادة القانون، والسعي للنهوض بتلك الدول في ظل التعددية الحزبية ودثر آثار التصلب، فالمصالحة درجةٌ ساميةٌ في نضج الدولة وتشير إلى الوعي السائد بين أفرادها، وتدل على اكتمال رشد الدولة ومؤسساتها والتطور الثقافي والسياسي واستقامة ممارساتها.  
 
المصالحة لغةً هي مصدر صَالَحَ بمعنى سَادَ الوِئَامُ بَعْدَ الْمُصَالَحَةِ، الْمُسَالَمَةُ، الْمُصَافَاةُ وَإِزَالَةُ كُلِّ أَسْبَابِ الخِصَامِ: واصطلاحاً هي عملية جعل طرفين في نزاع يقبلون حلا يرضي كليهما ويكون الوسيط بينهما طرفا ثالثا ليس طرفا في النزاع . ويكون الاتفاق عن محض الإرادة إذ أن عملية المصالحة بخلاف التحكيم لا تلزم المتنازعين على قبول الحل المقترح .
                                     
فالمصالحة الوطنية هي عملية التوافق الوطنيّ، تنشأ على أساسها علاقة بين الأطراف السياسية والمجتمعية، وتقوم على قيم التسامح، وإزالة آثار صراعات الماضي، من خلال آليات محددة واضحة وفق مجموعة من الإجراءات تهدف للوصول إلى نقطة الالتقاء، او هي صيغة تفاهم بين أبناء الوطن الواحد للوصول إلى برنامج متفق عليه لإنقاذ الوطن من أزمته ووضعه على الطريق الصحيح. والمصالحة بالمعنى الشامل فهي توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة، وسدّ الفجوات بين الأطراف المتخاصمة أو المتحاربة، وتصحيح ما ترتب عليها من أخطاء وانتهاكات وجرائم، مع إيجاد الحلول المقبولة، وذلك لمعالجة تلك القضايا المختلف حولها بمنهجية المسالمة والحوار، بدلاً من منهجية العنف وإلغاء الآخر، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل والتسامح مع الماضي، وترسيخ التشاركية.
 
والمصالحة الوطنية، التي تتردد أصداؤها في كل مكان، ما هي إلا جملة قصيرة صغيرة، تتركب من كلمتين، هذه الجملة تحلم أن تتحول إلى فعل يومي يمارسه الجميع دون استثناء، جملة كبيرة في معناها وتنظر إلى أفق غير محدود، ولكن قبل أن تتحول هذه الجملة إلى واقع معاش، لابد من العروج إلى مفهوم التصالح مع الذات، فأنت لا تستطيع أن تتصالح مع الآخرين، إن لم تستطع التصالح مع ذاتك أولاً بمعنى أن تحب نفسك كما أنت، وتتقبل شكلك كما هو عليه، أقوالك تعكس أفكارك، وأفعالك تمتد إلى سلوكك في التعامل مع الآخرين أمثالك.
أي أن تكون أنت كما أراد لك الله أن تكون، على حرية الآخرين لا تتعدى، من مذاهبهم لا تسخر. شتماً لا تشتم من يختلف معك في الرأي، قولك ينسجم مع فعلك، حيث الدين لله والوطن للجميع،إن وصلت إلى هذه الحالة من التصالح والذات، ستجد نفسك قادراً على التصالح مع الآخرين، حتى لو قمت بإيذائهم أو العكس، موقناً أن الهداية والمحبة والتراحم من الله سبحانه تعالى، والأخطاء منك وحدك.
 
والمصالحة مع الذات فتعني تقريب وجهات النظر المتباينة وتضييق الفجوة بينها وكما يختلف البشر فيما بينهم تختلف النفس مع ذاتها... والاختلاف مع الذات نوعان: نوع متعمد مقصود ونوع لاإرادي وغير مقصود يؤرق صاحبه ويدخله في صراع مع نفسه قد ينتهي، أو قد ينتهي العمر قبل أن يحسم. أما النوع المقصود فهو شائع وطبيعي إذ كثيرا ما يخفي المرء قناعاته ويسلك حسب ما يريد الآخرون كي لا يتعرض للعقاب الاجتماعي والإقصاء عن الجمهور.
 
أما النوع غير المقصود فهو الذي يجعل صاحبه يتأرجح بين القناعات لعدم وجود دليل بحسمها وهذا النوع منتشر بين الباحثين عن الحقيقة في الأمور المعنوية التي لا تخضع للفحص المخبري وأهمها تلك التي تتعلق بثنائيات شائكة كالوجود والعدم والعدالة والظلم والسعادة والشقاء. وقد دأبت الشعوب منذ فجر التاريخ على البحث عن إجابات لأسئلة ليس لها إجابات وبرز أرسطو في الحضارة الإغريقية بنظرية إخضاع الأمور للمنطق والاستدلال العقلي للتوصل إلى إجابات. بيد أن المنطق شيء والعلم شيء آخر فكما يقود منطق إلى وجود إله للأرض وآخر للسماء وآخر للمطر وآخر للريح، يقود منطق آخر إلى الوحدانية وهكذا يستمر المناطقة في الجدل دون حسم.
 

 

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024