السؤال الكبير: ماذا نريد ؟ حسن سليم
بعد اجتياز الهبة الشعبية شهرها الأول، وثبوت حملها بالاستمرار، ما زال الحديث المتداول ليس أكثر من تحليل وتوقعات، فيما ما زالت الهبة التي يقودها الشباب الفلسطيني أقرب لوصف اليتيمة من حيث الرعاية السياسية من قبل القوى والأحزاب السياسية.
"البُعد يولدُ الجَفا" هكذا يقال، وهذا ما تحقق، وفقا للنتائج التي أوردتها استطلاعات الرأي، وآخرها لمركز أوراد، التي حاولت قياس مدى تأثير الفصائل والأحزاب على الشباب المشارك في الهبة الشعبية، فجاءت النتائج مخيبة لأمال الكثير من الفصائل.
نتائج كان المطلوب أن تكون جديرة بالاهتمام من قبل الفصائل التي لم تسمعنا ردها، وكأن الأمر لا يعنيها، أو غير مصدقة لها، رغم انه كان من مصلحتها مبكرا ان تسارع لاستعادة دورها القيادي في الشارع في الأيام الأولى من الهبة، في ظل حالة التشظي لحضورها على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي سيسرع بتشكيل جسم غير واضح التكوين والبرنامج، لكن الأكيد انه قادم، ما يستدعي الانتباه بوعي من قبلها قبل فوات الأوان للتعرف على إجابة السؤال الكبير: ماذا نريد؟
وسواء كان سقف المطالب السياسية الرسمية أو للأحزاب والفصائل أعلى بكثير من مطالبها، أو أقل منها، فان الفجوة في الحالتين بين الهبة الشعبية التي تطورت لتصل مرحلة "الحراك"، تتعمق أكثر فأكثر، في حين أن المطلوب كان ردم الفجوة وليس الاستمتاع بمشاهدتها، ولا سيما في ظل الوحدة الميدانية.
في لقاء الرئيس أبو مازن مع جون كيري في عمان أواخر أكتوبر الماضي، كان جواب الرئيس واضحا ردا على طلب كيري وقف الهبة، بأن الشباب الفلسطيني غاضب، ولم يعد يثق بالمفاوضات، ثم تلا هذا الموقف تحديد مطالب سياسية لخصها الرئيس أبو مازن بأربع، وهي تأمين الحماية الدولية، وعودة الأمور الى ما كانت عليه قبل العام 2000 في الحرم الشريف، ووقف الاستيطان، والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، لكن السؤال اليوم إن كان الحراك الشبابي قادر على الصمود لتحقيق تلك المطالب، أو يتبناها كمطالب، في الحالتين، الإجابة غير واضحة على السؤال: ماذا نريد؟
نزول الفصائل للشارع، والإنصات بعناية لصوت الحراك واجب، بل ليس أقل من فرض، لأن الشباب هم من صنعوا الحدث، وهم من أعلوا الصوت، وهم من عمدوا التراب بدمائهم، ومن حق شريك الدم أن يكون شريك القرار.
تحسن الفصائل صنعا بالإنصات والتواصل مع هذا الحراك الشبابي الذي سيكون لهم خير سند، ليقدم الدعم السياسي من دون ابتزاز، كما تفعل بعض الأنظمة العربية، ولن يتكاسل الشباب كما وزراء الخارجية العرب الذين أجلوا اجتماعهم، ولم يعقدوه بعد مرور أكثر من شهر على نزيف الدم، ولن يكونوا متخاذلين كما فعلت المنظمة الأممية على لسان بان كي مون، الذي بعد أن سكت دهرا نطق كفرا بالتعبير عن قلقه، وبعد أن ساوى بين الضحية والجلاد.
وتعود أهمية الانسجام بين الشارع وقيادات الفصائل، والتفاهم على مطلب محددة، واعتماد أدوات كفاح مقبولة دوليا، ومنسجمة مع القانون الدولي، الى أهمية النتيجة بابقاء الاحتلال في حالة استنزاف دائم، واشعار العالم بالحرج، لأنه لن يتجرأ على إدانة الكفاح الفلسطيني المشروع، وكل ذلك يتطلب جهدا من القوى السياسية لتتنازل عن حزبيتها الضيقة لصالح الهدف الكبير المتمثل بالخلاص من الاحتلال، مسرعة للشارع والاتفاق على: "ماذا نريد"؟
وبالمناسبة فان فرصة خلق حالة الانسجام بين الشارع والقيادة السياسية قد لا تتكرر، وجميعنا يذكر كم كانت المراهنة على هبة الشارع ضعيفة، بل صفرية.
إن استمرار الحراك يشكل مصلحة فلسطينية عليا، وهذا ما يستوجب حمايته ودعمه لضمان استمراره، وتوفير الحاضنة السياسية والشعبية له، بل وتوسيعها بالحد الأقصى، خلف برنامج كفاحي موحد ومعلن، قابل للتوظيف السياسي، لكن حتى يتحقق ذلك، علينا أولا الإجابة على السؤال الكبير: ماذا نريد؟