24 صورة
دعاء زاهدة
غرفة صغيرة دقيقة الترتيب مليئة بالتفاصيل المعلقة، قلائد قديمة وألعاب مصنوعة بشكل يدوي، خزانة بيضاء تقبع في زاوية الغرفة المستطيلة تختزن في داخلها أسرار العمل مرتبة بعناية، علبة ألوان ولاصق أسود، ورق مقوى وعلب بلاستيكية شفافة تكشف عن حجارة ملونة ورمال وأوراق أشجار، وجهاز حاسوب وكاميرا، هي كل رأس مال فايز الكركي .
بدأ الكركي (19 عاما) خطوته الأولى طفلاً صغيراً يلهو بالورقة والقلم، ليطبع أفكاره برسومات بسيطة، أتبعها بمحاولة دراسة الرسم الإلكتروني، فتلقى دورة تدريبية لمدة 15 يوما بدراسة برنامج التصميم "فوتوشوب"، ولاحقاً، وليكمل مشواره، تعلم التصوير ليمتلك أدوات صناعة أفلام "الأنيميشن"، فيحوّل مخلفات البيئة المحيطة به إلى مشاريع تحاكي الواقع على قدر الإمكان.
يقول الكركي: "تركت تعليمي مبكراً، حيث التزمت في صفوف المدرسة حتى الصف العاشر فقط، بدأت أعمل مجموعة من التصاميم العادية بسبب حبي لتصوير، عملي بدأ في العام 2009 على الصور الثابتة، تطورت عندي الأفكار وأصبحت أبحث عن أفكار ريادية وهادفة، وفي العام 2012 بدأت أصنع صورتي، لأحاول إيصال فكرة متكاملة لأفكار تراثية ".
ويضيف: "كثر المصورون والمصممون لتصبح كل الصور تشبه بعضها، فقررت البدء بعمل أشغال يدوية بتصاميم مختلفة وإعطائها طابعا حقيقيا وتحويلها لرسوم متحركة".
ولعمل محاكاة للبيئة الصحراوية، يبحث الكركي عن أفكار جديدة ويرسمها على الورق، مستعملاً خيال المصمم، ليضع الرسالة التي يرغب في إيصالها، ويبدأ في مرحلة التطبيق بتجميع الرمل من ورش البناء، ويشتري بعضه الآخر، وبقماش قديم يبني بيوت الشَعر ويدعم أساساتها ببعض أغصان الأشجار وأعواد الخشب، وباستخدام أوراق الشجر الجافة وحجارة البناء الصغيرة يشكل الآبار والطابون، ويدخل في تصميمه الألعاب البلاستيكية ليكمل صورته الثابتة بحيوانات الصحراء.
المرحلة التالية تبدأ بإضفاء الكركي حياة إلى صورته، بمساعدة شقيقاته وشقيقه تقي الدين. يرتدون ثياب البادية، وعلى خلفية خضراء يبدأ الكركي بتصوير حركات بطيئة، يقسم الصورة إلى ثواني، وكل ثانية تحتوي على 24 صوره.
عملية المونتاج وتركيب الصور تحتاج إلى دقة ومجهود يستمر عدة أيام أو أسابيع في بعض الحالات، وعلى جهاز الحاسوب يقضي الكركي ساعات متواصلة لإخراج مقطع فيديو لا تتجاوز مدته الدقيقتين.
يقول: "يستغرق الفيلم معي أسبوعين أو ثلاثة. هذا العمل بحاجة إلى الكثير من الإمكانيات الاحترافية، مثل أستوديو مجهز وكاميرات احترافية وأجهزة حاسوب أكثر قدرة على التحمل لعمل المونتاج، جميع أدواتي بسيطة وهذا بحد ذاته تحدٍ بالنسبة لي".
بعد دقائق قليلة من بدء العمل، يتحول منزل عائلة الكركي الصغير إلى ورشة عمل ضخمة، فتعم فوضى التصوير المكان، ولكل فرد في العائلة مهمة في الفيديو عليه إنجازها، ملابس ومساحيق تجميل والكثير من الحركات والحسابات .
تقول والدة فايز: "لم نكن أنا ووالده موافقين أبداً على ترك فايز لتعليمة وتوجهه إلى التركيز على تعزيز موهبته حول صناعة الأفلام المتحركة، كنت غالباً أشعر بالغضب منه على كم الفوضى الذي ينشره في المنزل وفي غرفة استقبال الضيوف. اليوم وعندما تأكد لي أن ابني صاحب موهبة حقيقية أصبحت فخورة به وأشجعه على تطوير نفسه وقدراته".
يحاول الكركي يومياً البحث عن كل ما هو جديد في صناعة الرسوم المتحركة، فموهبة اليوم قد تصبح مهنة المستقبل، والطموح لا بد من أن يتحول إلى حقيقة .
يقول: "في الغالب أفكاري تأتي من واقع التراث الفلسطيني، أحاول تطويرها وتنمية نفسي بشكل يومي. أعمل حالياً على التحضير لافتتاح معرض متخصص بالصور والتصميم المتحرك، وبناءً عليه سأدرس ردة فعل الناس، فالرسالة المحلية الفلسطينية إن خرجت بشكل بسيط وجديد للخارج، ستكون أقرب وستصل إلى حدود العالمية".