محكمة الأحداث الفلسطينية خطوة نموذجية للتطبيق العملي - د.حنا عيسى
تعد الجريمة من الظواهر الاجتماعية الخطرة التي وجدت بوجود الإنسان، ولا يكمن خطر الجريمة في أشخاص المجرمين البالغين وأفعالهم فحسب، بل يكمن عند الصغار أيضاً الذين لم يشتد عودهم بعد، وما زالوا كالأغصان الغضة بحاجة إلى من يرعاها ويعتني بها لتنمو وتكبر، وتصبح قادرة على المشاركة في بناء المجتمع وتقدمه. فإن أحسن المجتمع القيام بهذه المهمة سلموا وسلم بسلامتهم، وإن أخفق وأساء فهمهم انقلبوا عليه، وقضوا مضجعه وعاثوا به فساداً وإجراماً.وإن ازدياد حجم ظاهرة انحراف الأحداث في العالم دفع دولاً مجتمعة أو منفردة إلى توجيه جل اهتمامها نحو دراسة هذه المشكلة الاجتماعية المعقدة، وبذل كل ما في وسعها لإيجاد الحلول المناسبة للقضاء عليها أو للحد منها ما أمكن. وقد عقدت من أجلها المؤتمرات والندوات الدولية والإقليمية، ورصدت لها الأموال بهدف دراستها ومعالجتها. فانكب الأختصاصيون في مختلف العلوم القانونية والاجتماعية والنفسية على بحثها من جميع جوانبها، ووضع الحلول لمعالجتها. ووضعت للأحداث تشريعات جزائية خاصة في مختلف الدول، وهي تهدف إلى ضمان الحماية والرعاية القضائية لهم عن طريق دراسة حالاتهم وعلاجها. فيشكل شخص الحدث محور السياسة الجزائية لهذه التشريعات، ولا ينظر إلى فعله الجرمي إلا بوصفه مؤشراً على انحرافه فحسب.
محكمة الأحداث هي محكمة مختصة في النظر في قضايا الأحداث القاصرين الذين هم دون سن الثامنة عشرة، بحيث لهم محاكم تصدر أحكاما بحق المخالفين منهم. وتتخذ محكمة الأحداث التدابير المناسبة والملائمة مع وضع الحدث وظروفه الخاصة ومع طبيعة جرمه، وتكون هذه التدابير هادفة إلى إصلاحه وإعادة دمجه في المجتمع. ويتكون قضاء الأحداث من:
· محكمة جنح الأحداث: يتولاها قاض ينظر في المخالفات والجنح وفي حماية الأطفال المعرضين للخطر.
· محكمة جنايات الأحداث: وهي غرفة ابتدائية تتكون من رئيس وعضوين وتنظر في القضايا الجنائية المعروضة على محكمة الأحداث.
ويترأس محاكم الاحداث او الاطفال قضاة مدربين تدريباً خاصاً، وهي جزء من النظام القضائي المدني الا انها تتخذ صفة اقل رسمية من المحاكم الاخرى. واحيانا تعقد جلسات الاستماع فيها سراً. وتركز معظم الاقطار على أهمية النهوض بأعباء رعاية الاطفال ومصالحهم عند سماع القضايا. وهناك قيوداً على ذكر اسم وعنوان ومدرسة اي طفل يمثل امام محكمة الاحداث او الاطفال.
ولكل بلد قوانينه الخاصة به فيما يتعلق بالعمر الذي يمكن ان يمثل فيه الطفل امام المحكمة، وبصفة عامة فان العمر المحدد لذلك هو 14 عاماً، ويتم التعامل مع المذنبين التي تقل اعمارهم عن ذلك عن طريق المدرسة او الشرطة او الخدمات الاجتماعية. وتشمل الاوامر التي تصدر من محاكم الاحداث او الاطفال اوامر الاشراف او الرعاية وعادة ما يورد الاختصاصيون الاجتماعيون تقاير عن الطفل وظروفه العائلية قبل ان تصدر المحكمة حكمها. فقد يوضع الاطفال في الحبس لدى سلطة محلية اذا كان ابائهم غير قادرين او غير راغبين في تحمل مسؤولياتهم.
وقد جرى مؤخراُ افتتاح اول محكمة أحداث في فلسطين، وهو ما يشكل خطوة نموذجية للتطبيق العملي لما نص عليه قانون الأحداث، وذلك إيماناً بأن الأطفال يجب أن يعاملوا معاملة خاصة، حيث تم تدريب عدد من ضباط الشرطة على الطريقة المثلى في إجراءات قضايا الأحداث، وذلك للإسهام في تطبيق التدابير الخاصة بمصلحة الطفل.
المحكمة المختصة بالأحداث سيكون لها قاضٍ بدرجة قاضي بداية وطاقم إداري مختص، تمتاز بطابعها التأهيلي عن طريق العقوبات، كنوع من العقوبات والتدابير، كالتوبيخ أو تسليم الحدث لأهله وإلحاقه بمركز تدريب مهني وإيداعه في مركز اجتماعي، وهو ما يوفره مركز الأمل.
ورفع قانون الأحداث سن المساءلة القانونية للطفل من 9 سنوات إلى 12 سنة، فإذا ارتكب الطفل مخالفة قانونية يمنع احتجازه، بل يجب البحث له عن بدائل، وفي حال ارتكب طفل ما بين سن 15 و18 عاماً جناية يجب دمجه في المجتمع، لكنه قد يحتجز في مراكز الرعاية في حال ارتكابه جريمة أو يحتجز للحفاظ على حياته.
--