المعمر عودة.. يحفظ كتاب الله منذ 77 عاما
علا موقدي
الحاج محمد عودة من مواليد عام (1925)، في بلدة الزاوية في محافظة سلفيت، بحسب ما هو موثق في هويته الشخصية، بينما يعتقد أنه قد تجاوز عمره التقديري هذا بسنوات إضافية، اعتاد يوميا على أداء الصلوات الخمس في مساجد القرية، كاعتياده على صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع.
يجلس عودة بالقرب من كانون نار أعده له أحد أحفاده من ابنته الوحيدة هالة، ويتحدث لـ "وفا": الشيخ ابراهيم الدقلي أول من علمنا حفظ القرآن الكريم، وتلاوته، والخط العربي، والحساب، والإملاء، وكان التعليم فقط للذكور في الجامع الكبير للبلدة من عمر السبع سنوات، مقابل 12 صاع من القمح سنويا نجمعه في موسم البيادر، ثم درسنا الشيخ حامد الذي جاء على سكة الحديد من مصر.
"حفظت القرآن غيبا منذ أن كان عمري أربعة عشر عاما، كنت أذهب لرعي الأغنام، وخلال ذلك أبدأ بتلاوة الآيات دون انقطاع، وفي الفترة ذاتها كنت أجلس مع صديقي جبر الذي أصيب بالعمى منذ الطفولة، هو يقرأ وأنا أسمع له، واستمرينا على هذا حال سبع سنوات حتى تمكنا من حفظه كاملا" يكمل عودة.
ويتابع: بحسب كتّاب البلدة بين الماضي والحاضر، فإن "أهالي القرية كانوا يقومون دائماً بتوفير المسكن للمدرس الذي يدرس أبناءهم، حيث خصصت لهم غرفة من أجل سكن المشايخ، لتخفيف مشقة السفر عنهم، وكانوا يتناوبون من أجل توفير وجبات الطعام له، والمعلم يتلقى 12 صاعا من القمح في السنة، وكان التعليم يبدأ من الصباح، ويستمر لمعظم أوقات النهار، ويتخلل ذلك أوقات الراحة والصلاة، والمعلم هو صاحب السلطة على التلاميذ، والتعليم اعتمد في ذلك الوقت على التلقين، وهي الطريقة التقليدية في نقل المعلومة من المعلم الى الطالب واستخدام الطباشير البيضاء، كما ظهر خلال العصر الأيوبي المملوكي في فلسطين ما يعرف "بالكتاتيب"، وذلك استكمالا للعهد الإسلامي الأول".
يذكر لنا جيرانه المقربون من منزله أنهم يفيقون كل يوم على صوته الجميل وهو يرتل آيات القرآن، وفي كثير من الأحيان يجلس لإعطائهم الدروس الدينية، وتحفيظ الصغار أسماء الله الحسنى.
يسرد عودة: في موسم الزيتون عندما أبدأ بالقراءة، ينصت الجميع ويبقى صوت حب الزيتون وصوتي، واستذكر الأناشيد الدينية مع أطفال الحي وقت قطاف حبات التين.
مع ارتفاع نسبة اهتمام الناس بالتعليم وجد في بلدة الزاوية عدد من المشايخ الذين تتلمذ على أيديهم أبناء بلدة الزاوية، الذين تعلموا القرآن، والقراءة، والكتاب، مثل الشيخ عبد الرحمن الرابي.
السبعيني أحمد شقير يقول: في ذلك الوقت كان أهل التلميذ الذي يختم حفظ القران الكريم قراءة وحفظا يقومون بعمل "شمسية" مزينة، ويركبونه على الخيل، وأكتاف الرجال ثم يتجلون به في شوارع البلدة، حتى يصلوا به إلى باب المسجد القديم.
إمام مسجد القرية عدنان مصلح يوضح: أن قلة قليلة ممن يصلون إلى هذا العمر وما زالوا يحفظون القرآن كاملاً، والحاج عودة يختم القرآن الكريم كاملاً كل ثلاثة أيام كأقصى حد، على الرغم من أن صحته الجسدية والعقلية ضعيفة، فهو قد ينسى معظم أحداث حياته، إلا أنه اذا سئل عن آية في القرآن يعطي السورة التي أخذت منها، ويتلوها كاملة دون أخطاء، وفي شهر رمضان يبقى بالجامع يعلم الأطفال والكبار، ويصحح لمن يخطئ.
كرّم مركز عبد القادر أبو نبعة الثقافي في الزاوية الحاج عودة مرة واحدة، وفي اتصال لـ"وفا" مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية للاستفسار عن عودة، تبين أنهم لم يسمعوا به، ووعدوا بتكريمه قريبا.
اعتادت دولة فلسطين على حصد جوائز حفظ القرآن الأولى ولا غرابة في ذلك، فقد حصل الشاب أحمد بديع طه من قرية سرطة بمحافظة سلفيت على المركز الأول لعام 2016 في مسابقة الملك عبد العزيز في المملكة العربية السعودية.