المناطير: قصور زراعية في المشهد الفلسطيني
بيت لحم : أوصى اكاديميان، بحماية ما تبقى من المناطير في فلسطين، وذلك خلال عرض قدماه امس، في مركز السلام في مدينة بيت لحم.
وعرض الدكتور شادي الغضبان من جامعة بير زيت، وصلاح الهودلية من جامعة القدس، لدراستهما الميدانية للمناطير، التي تعرف ايضا بالقصور الزراعية، في منطقة الطيرة وعين قينيا.
واستخدم الفلاح الفلسطيني المناطير، التي بناها في الحقول، خلال اشهر معينة في السنة، لحراسة ارضه، وجني ثمارها، اضافة الى استخدامات اخرى. ضمن تقاليد شهدتها الدول المتوسطية، وتعود لآلاف الاعوام.
وقال الدكتور الهودلية: "ارتبطت المناطير، بالنشاط الزراعي، كان لا بد للمزارعين حراسة مزروعاتهم، وهذا النوع من العمارة انتشر مع تدجين العنب والتين، وتوجد نماذج لها في اوروبا تعود لأواخر العصر الحجري، وبداية البرونزي".
واشار الدكتور الهودلية، بان فريق البحث تكون من تسعة اشخاص في اختصاصات مختلفة، وعرض للمشاكل التي واجهتهم، ومن بينها ما وصفه بخطر الحشرات، والزواحف، والخنازير البرية.
وقال: "في احد الزيارات دخلنا في منطار، وعندما خرجت، كان علي اكثر من الف برغوث، وهذا موقف طريف لمصاعب عديدة واجهناها".
وبدأ الباحثان عملها في كانون الثاني 2010، بحصولهما على صورة جوية لمنطقة البحث، من بلدية رام الله، وما بين تموز وكانون الاول من نفس العام انجزا تحليل المعلومات، واختيار نماذج للدراسة والتحليل وكتابة الدراسة النهائية للبحث.
واحصى الباحثان ما يزيد عن 167 منطارا في منطقة البحث، و40 بئر ماء، وعدة عيون، ومئات السلاسل الحجرية، ومئات الحفر الصخرية. بالإضافة الى موقعين اثريين هما (خلة العدس) وقرية (عين قينيا).
وقال الهودلية بان السلاسل، بناها الانسان الفلسطيني لحماية الارض وتحديد الملكية، مشيرا الى قدمها، والى دراسة للباحث غطاس الصايج، عنها، والذي ارجعها الى العصر الحجري النحاسي، أي الى نحو 4 الاف عام قبل الميلاد.
وتقسم المناطير الى ثلاثة انواع: الرجم، والدائري، والمربع والمستطيل، وهذا النوع الاخير، كما قال الدكتور شادي الغضبان نوع نادر، تميزت به منطقة البحث، وانه لم يتم العثور على هذا الشكل الا في الطيرة وعين قينيا، بالإضافة الى منطقة بيت لحم.
وعزا الغضبان ذلك نتيجة التأثير الغربي، على عمارة المناطير، حيث تم ادخال عناصر جديدة في البناء، وقال: "العديد من اهالي رام الله، وبعد تحقيقهم نجاحات في بلدان المهجر، اشتروا اراضي خارج البلدة القديمة، وتوسعوا نحو عين قينيا، ونقلوا ما شاهدوه من عمارة للمناطير في الخارج الى اراضيهم الجديدة".
وقال: "اعتقد انه مع عهد التنظيمات العثمانية، حدث انفتاح على الغرب، ومن نتائجه، فيما يتعلق بالمناطير، دخول شكله المربع والمستطيل، وليس من الغريب ان نجد ذلك في الطيرة وعين قينيا، وبيت لحم، التي كانت على تماس مع البعثات التبشرية".
وحسب الدراسة، فان المناطير التي تم رصدها، في منطقة البحث، من حيث الموقع كانت كالتالي: على قمة جبل: 15، وعلى المنحدرات الجبلية: 145، وفي المناطق السهلية تم تسجيل 6 مناطير.
ورأى الباحثان ان المنطار-الرجم هو الاقدم، اما الشكل الدائري فأعاداه للفترة من القرن السابع عشر الى القرن العشرين، والمربع والمستطيل من القرن التاسع عشر-القرن العشرين.
وعن اسباب تدمير المناطير قال الغضبان: "هناك عدة اسباب، منها هجرة اعداد كبيرة من مالكي الاراضي الى دول عديدة، وانهيار النظام الزراعي، واهمال المناطير، وعدم اجراء الصيانة لها، وتحول عدد كبير من مالكي الاراضي الى العمالة المأجورة وقطاع الوظائف الحكومية، والتطور العمراني العشوائي، وغياب خطة استراتيجية، شاملة، بالإضافة الى ممارسات الاحتلال الاسرائيلي".
وقال الغضبان بان جذور المناطير متوسطيا، تعود الى جنوب ايطاليا، في فترة العصر البرونزي المبكر، وهنالك دلائل على انتشاره في دول متوسطية كثيرة مثل فرنسا، ومالطا، واسبانيا، وكرواتيا، وكاتلونيا، وتونس، وكذلك فلسطين.
واضاف: "المنطار هو انعكاس لعادات وتقاليد كل مجتمع متوسطي، ولاحتياجاته المادية والفكرية والمعرفية، واثبت عبر التاريخ، على كونه عنصرا مشهديا ومعماريا اساسيا، يجسد ملامح الحياة التي كانت سائدة، واسلوب تطويع الفضاء".
ونوه الغضبان الى دراسة لباحث اسرائيلي مسح فيها المناطير في فلسطين فوجد ان عددها يزيد عن سبعة الاف منطار، مما يشير الى اهمية هذا الشكل العمراني في الحياة الفلسطينية. ولكنها الان تقدر بنحو خمسة الاف، مما يشير الى الاخطار التي تواجهها.
واوصى الغضبان والهودلية، بدراسة المناطير في مناطق مختلفة من فلسطين، وتوفير الموارد البشرية والمادية لذلك، وحماية ما هو موجود منها، واعداد سجل وطني بالمناطير، ورسم السياسات الخاصة بتوثيقها، وترميم المتميز منها، ووضعها في مسارات سياحية للتعريف بها، واستثمارها في نشاطات سياحية وفي احتفالات موسمية، وزيادة الوعي المجتمعي بها، وادراج موضوعها في المقررات التعليمية، لأنها تعكس منظومة علاقات اجتماعية واقتصادية مميزة لحياة الانسان الفلسطيني في القرنين الماضيين.