"هاني جوهرية".. بقلم: عيسى عبد الحفيظ
هاني فخري جوهرية، ابن القدس ومن مواليدها عام 1939. اضطر لتركها عام 1966 لمتابعة دراسته في التصوير الفوتوغرافي والسينمائي في القاهرة وبعدها في لندن.
عمل في الأردن بعد تخرجه عام 1967. شارك في تأسيس قسم السينما والتصوير في الثورة بعد أن اشتد ساعدها خاصة في مرحلة تواجدها على الساحة اللبنانية.
كان يرافق الفدائيين في الأغوار لتصوير العمليات العسكرية برفقة الفقيد مصطفى أبو علي. أسس قسم التصوير وفيما بعد سُميت السينما الفلسطينية بعد أن تحولت إلى مؤسسة رسمية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
تمترس خلف جهاز التصوير، تماماً كفدائي يتمترس خلف بندقيته (الكاميرا)، فكان أول فلسطيني ينقل صورة المخيم، وصورة القدس تحت الاحتلال، وصورة الفدائي في الكرامة والأغوار، والعمليات داخل الأرض المحتلة. لم ينطق بكلمة بل جعل الكاميرا هي التي تنقل رواية الفلسطيني على شاشات العالم.
لم ير أي فارق بين الكاميرا والبندقية وآمن بالصورة التسجيلية ودورها في معركة التحرير وكان يردد أن بندقيته هي كاميرته التي تسجل بطولات شعبه في وجه الاحتلال.
التحق بالثورة بعد أحداث أيلول وتوجه إلى بيروت حيث أصبح دينامو السينما الفلسطينية والتي بدأ بتأسيسها على قواعد علمية مدروسة وبدأ بتدريب كادر جديد شاب، وكان سباقاً للانتقال إلى موقع الحدث فور وقوعه، حريصاً على متابعة كل صغيرة وكبيرة حيث كان يردد بعد كل مادة. لقد أصبحت لدينا وثائق عن ثورتنا وعن قضيتنا.
ذهب مع عدد كبير من القيادة إلى جبال عين طورة خلال الحرب الأهلية، وكان من المفترض أن يعود معهم مساء اليوم ذاته، لكن حياة المقاتلين ومنظر ثلوج جبال عين طورة استهوته فبقي هناك حتى يتم عمله في جمع مادة أرشيفية تليق بالمكان والزمان.
ذهب مع المقاتلين إلى الخط الأول، فانطلقت قذيفة باتجاههم فقام بتصوير لحظة الانطلاق وأصر على تصوير لحظة السقوط لكن القذيفة سقطت أمامه مباشرة فطار هاني مع كاميرته وسقط شهيداً، كان يُدرك تماماً أن الكاميرا في يد المقاتلين لا تقل أهمية عن البندقية.
كان ذلك في 11/4/1976 في جبال عين طورة، مزقت القذيفة جسده لكن الفيلم الذي صوره بقي ليشهد أن الصورة أقوى من القذيفة.
على ارتفاع ألفي متر عن سطح البحر، سقط هاني جوهرية. لم تكن سقطته على جبال القدس التي كانت أمنيته العزيزة بل سقط على جبال عين طورة حيث كان يعتقد أنها الطريق إلى القدس.
كان يرصد بكاميرته وبإبداع المصور المحترف حركة المقاتلين وهم يكتبون التاريخ الحديث للقضية الفلسطينية. يصورهم في كل موقع وهم يقاتلون ويتمازحون ويأكلون وينامون ويعيشون من أجل قضيتهم المقدسة فلسطين.
تم نقل جثمانه إلى كنيسة في بيروت محضوناً بعلم فلسطين وبشعار العاصفة، واصطفت جماهير مخيم شاتيلا على جانبي الطريق الذي تمر عبره جنازة هاني ليوارى جثمانه في مقبرة الشهداء.
ترك خلفه مجموعة من الأفلام التوثيقية وتم توزيع عدة جوائز باسمه في أنحاء العالم، وأنشئت نوادي ومراكز وفرق فنية تحمل اسمه كشهيد للسينما الفلسطينية.