ماي اختارت بلفور ونحن اخترنا شكسبير
بقلم: باسم برهوم
نحن الفلسطينيين لسنا عدميين نهوى الشتم، نحن شعب ببساطة نريد الحياة، ان نعيش بحرية واستقرار ورفاه، ولأننا كذلك لا نرى الاشياء الا كما هي، بما فيها من ايجابيات وسلبيات. هذا الامر ينطبق في نظرتنا لبريطانيا وتاريخها. الشعب الفلسطيني يشارك شعوبا كثيرة في العالم بانبهاره واعجابه لما قدمه الشعب البريطاني للحضارة الانسانية، فكرا وثقافة وعلما في مختلف الميادين، فهذا الشعب قدم اكثر بكثير من حجمه.
باختصار نحن لا نرى بريطانيا فقط من منظار وعد بلفور وسايكس بيكو وارثها الاستعماري المليء بالظلم، نحن نصر ان نرى الجانب المشرق لهذا الشعب دون ان يغيب عنا الجانب المظلم. الا ان المحزن لنا ولكل المنحازين للقيم الانسانية وبالتأكيد يحزن الكثير من البريطانيين، هو ان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تصر على الاحتفال بالجانب المظلم من التاريخ البريطاني، الاحتفال بالارث الاستعماري الذي خلف ولا يزال الالم والدمار، ليس للشعب الفلسطيني وحسب وانما للكثير من شعوب المنطقة والعالم.
ان ماي وهي تحتفل بالذكرى المئوية لوعد بلفور، الوجه الأكثر عنصرية وبشاعة لهذا الارث الاستعماري، انما تحتفل وهي تقف فوق جبل كبير من المآسي. بالنسبة لنا، فإن الجانب المظلم من التاريخ البريطاني هو المسؤول عن شطب فلسطين وشعبها عن الخارطة، وهو المسؤول عن 70 عاما من اللجوء لأكثر من خمسة ملايين لاجىء فلسطيني ومسؤول عن اكثر من خمسة ملايين آخرين تحت الاحتلال، مباشرة بما يعني ذلك من سياسة العقاب الجماعي والحواجز والاعتقالات وهدم المنازل ومصادرة الارض والاستيطان، وهي سياسات استعارتها اسرائيل من قانون الطوارئ الانتدابي البريطاني ومارستها بابشع صورها. او انهم يعيشون في ظل سياسة التمييز العنصري وغياب المساواة داخل الخط الاخضر.
الغريب في الامر ان ماي هي، ولسنا نحن الضحية من يرى ويصر على رؤية التاريخ المظلم لبريطانيا وتحتفل به. هنا اترك للقارئ تحليل الدلالات، لكنني اتساءل هل ماي تعتقد ان احتفالها بالذكرى المئوية لوعد بلفور، يشير الى عظمة بريطانيا؟ انه لأمر مؤسف ان ترى رئيسة وزراء بريطانيا عظمة بلادها عبر هذا الارث المليء بالظلم والكوارث الانسانية، بالمقابل نحن من تعرضنا للظلم نرى عظمة بريطانيا بشكسبير ونيوتن وفرويد وديكينر وجيمس جويس والبيتلز، ونراها بالثورة الصناعية وبالديمقراطية.
ماي اختارت الاستعمار ووعد بلفور، ونحن اخترنا شكسبير.