العرب في الغرب .. بين الاندماج والانكماش
المحامي د.ايهاب عمرو
لعل هجرات العرب المتتالية للغرب نبعت من بعض الظروف السلبية التي مرت بها المنطقة العربية خلال العقود الماضية، وآخرها تلك الهجرة القسرية في بعض الأحيان والطوعية في أحيان أخرى بعد اشتعال أتون الصراع المدمر في سوريا الشقيقة.
ولعل أصعب الخيارات تمثلت، ولا تزال، في هجرة كثير من العائلات العربية إلى الغرب مع ما صاحب ذلك من صعوبات في تعلم اللغات في الدول التي تمت الهجرة إليها، ناهيك عن الاختلاف الحضاري والثقافي والقيمي بين الشرق والغرب، ما شكل صعوبة للأجيال الناشئة تحديداً في استيعاب المتغيرات ذات العلاقة.
وأكثر التساؤلات إلحاحاً في هذا السياق يتعلق بمدى قدرة العرب الذين هاجروا خلال القرن الماضي عموماً، وفي السنوات الأخيرة خصوصاً، على التأقلم مع نمط الحياة المختلف في الغرب. وثمة تساؤل آخر يطرح نفسه هنا ويتعلق بمدى قدرة ورغبة العرب في الاندماج في مجتمعات الدول الغربية، تحديداً في قارة أوروبا. إضافة إلى التساؤل حول قدرة العرب على المساهمة الإيجابية في مجتمعات تلك الدول على الأصعدة كافة، خصوصاً الثقافية والاقتصادية والفكرية والعلمية والرياضية.
إن الإجابة عن التساؤلات المطروحة ليست من الصعوبة بمكان، فمن خلال إعمال مفهوم الملاحظة كأحد مناهج البحث العلمي يمكن القول إن العرب بشكل عام، مع بعض الاستثناءات، لم يكونوا قادرين على التأقلم مع نمط الحياة في الغرب الذي يعتمد على السرعة في إنجاز الأعمال، والتعاطي مع أدوات العصر الحديثة التي فرضتها طبيعة العصر القائمة على التكنولوجيا بشكل رئيسي، والإنفتاح الفكري والحضاري والعلمي والثقافي.
ويمكن القول أيضاً إن العرب لم يكونوا قادرين أو راغبين في الاندماج في مجتمعات الدول التي هاجروا لها، مع بعض الاستثناءات، وذلك لأسباب تاريخية وثقافية وحضارية، وعقائدية في بعض الأحيان. وكل ذلك جعلهم غير قادرين على المساهمة الإيجابية للأسف، مع بعض الاستثناءات، في مجتمعات الدول الغربية التي قامت باستقبالهم. ومن تلك الاستثناءات سمعت عن بعض النجاحات التي حققها الفلسطينيون ممن هاجروا إلى بعض الدول الأوربية كهنغاريا مثلاً ونجحوا في تحقيق إنجازات إقتصادية ومالية مهمة وأصبحت لديهم مصالح إقتصادية كبيرة ومؤثرة في الاقتصاد الهنغاري كفنادق فخمة ومحلات تجارية أيضا.
ومن خلال إجراء دراسة مقارنة بين العرب وغيرهم من الشعوب النامية التي هاجر بعض أبنائها وبناتها إلى الغرب خلال الفترة ذاتها نجد أن بعض الشعوب النامية حققت نجاحات باهرة في هذا السياق. ويمكن دراسة حالة الأتراك الذين هاجروا إلى أوروبا خلال القرن الماضي، ورغم أن معظمهم كانوا من العاملين غير الحاصلين على شهادات جامعية إلا أنهم نجحوا بعد ذلك في فرض أنفسهم في مجتمعات تلك الدول بواسطة قدرتهم على إنجاز الأعمال المختلفة، وقدرتهم كذلك على تعلم اللغات ذات العلاقة، ناهيك عن قدرتهم على العمل في مختلف المجالات، حتى أصبحوا أقوياء من ناحية مالية واقتصادية وعلمية. وأصبحت لديهم متاجر ومطاعم خاصة بهم تنتشر في معظم الدول الأوروبية، ما مكنهم أيضاً من استمرار تأثيرهم في الغرب ولو بأشكال مختلفة نتيجة اختلاف أدوات العصر.
وأفادني أحد أصدقائي الأتراك أنه هاجر مع عائلته إلى إحدى الدول الأوروبية وهو في سن الخامسة، وأنه تعلم اللغتين الألمانية والانجليزية بجانب التركية. وأفادني أنه لاحظ أن معظم أبناء وبنات من هاجروا إلى أوروبا من الأتراك خلال العقد الماضي يدرسون الآن في الجامعات، وبعضهم يعملون كمهندسين وأطباء ومحامين. وخلص إلى أن سبب نجاح التجربة التركية تلك إنما مرده إلى اهتمامهم بالعلم والعمل، واستثمارهم للطاقات الإيجابية الكامنة لديهم، واندماجهم في مجتمعات الدول التي عاشوا فيها، فضلاً عن محافظتهم على تماسكهم الاجتماعي وخصوصيتهم الدينية ما شكل رافعة لتحقيق تلك النجاحات. وعزا الصديق ذاته فشل تجرية العرب في الغرب إلى اهتمامهم بجمع المال على حساب جمع المعرفة، وعدم رغبتهم في العمل نتيجة حصولهم على معونات مالية من الدول التي قامت بإستضافتهم. إضافة إلى عدم قدرتهم على الاندماج في مجتمعات الدول الغربية التي استضافتهم.
وهذا يفسر سبب غضب بعض صناع القرار في الغرب على فتح الباب أمام العرب للعبور للغرب كلاجئين خلال السنوات الأخيرة، لا بل حتى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي فتحت بلادها أبوابها أمام العرب المهاجرين أبدت انزعاجها ذات مرة أثناء لقاء مع رئيس الوزراء اليوناني قبيل الانتخابات الأخيرة في ألمانيا من أن أكثر المشاكل التي تواجهها تتعلق بالمهاجرين. ولا يخفى على أحد أن تلك القضية أضرت كثيراً بالمستشارة ميركل في تلك الانتخابات ما مهد لحصول الحزب الإشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف على الوزارات الأكثر أهمية كالخارجية والمالية والعدل. ناهيك عن حصول حزب "البديل" اليميني الشعبوي على مقاعد إضافية في البرلمان حتى أضحى ثالث قوة سياسية في ألمانيا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.