علوش.. آخر المصورين المتجولين
يامن نوباني
تفتقد مدينة الحلويات الاشهر في فلسطين شيئا فشيئا، مهنة المصور الفوتوغرافي المتجول، الذي وثقت عدسته لعقود سابقة تاريخ المدينة، وتغيير وجهها من عمران وعادات وتقاليد وحتى وجوه المارة.
نابلس الواقعة شمالي الضفة الغربية، ودعت قبل أعوام (في نيسان 2013) قيصر دروزة، الذي يعد أشهر مصوريها المتجولين، بعد رحلة استمرت لـ53 عاما من التصوير، كما ودعت قبل سنوات المصور المتجول أصيل دروزة، ليبقى اليوم، محمد علوش (49 عاما) اخر مصوريها المتجولين.
وتعتبر حديقة متنزه جمال عبد الناصر في حي رفيديا غربي المدينة، ومتنزه العائلات المجاور له، من أبرز محطات التصوير، خاصة في فترة الأعياد والمناسبات الاجتماعية والعطل المدرسية الصيفية، حيث تكثر زيارة العائلات لهذه الأماكن، ويلهو مئات الأطفال يوميا على العشب والألعاب الترويحية.
وتبرز جامعة النجاح الوطنية، الواقعة في حي المخفية غربي المدينة، كمكان مفضل لتجوال المتصورين الذين يرون في حفلات التخريج، وبدايات الفصل الدراسي ونهاياته، وما يرافق ذلك من احتفالات استقبال وتوديع، فرصة جيدة للعمل والرزق، حيث يوثق الطلبة ذكرياتهم مع المكان والأساتذة والطلبة.
ويقول علوش لـ"وفا": أصور بما مقداره فيلما واحدا (36 صورة) في اليوم، وأقوم بتحميضها في استوديوهات المدينة وايصالها لأصحابها، فيما مضى كانت عناويني في التحميض ستوديو "كوداك" وستوديو "حازم اكسبرس"، وهما أغلقا منذ سنوات.
عمل علوش في الصحافة خلال انتفاضة الحجارة (1987-1994)، وكانت صوره تذهب إلى احدى الوكالات العالمية في القدس المحتلة، التي بدورها كانت توزعها على الوكالات، والصحف العالمية.
وتعرض علوش للإصابة برصاصتين في قدمه وللاعتقال في سجون الاحتلال، وكسرت كاميرته، وصادرت قوات الاحتلال أفلاما كثيرة، كان علوش قد صورها للناس والأحداث اليومية.
لاحقا اصبح علوش مصورا متجولا، يلتقط الوجوه والحركات للمارة، ومشاهد المدينة اليومية، والأرياف القريبة.
يشعر علوش بالوحدة في مهنته، التي لم يعد يحترفها أحد في المدينة، ويقول: بقيت وحيدا، بعد رحيل مصوري عائلة دروزة عن الحياة، أجوب المدينة منذ الصباح وحتى المساء، بحثا عمن يُحبون توثيق لحظتهم".
ويضيف: "التكنولوجيا الحديثة في الهواتف أثرت على رزقي، كل شخص أصبحت لديه الآن كاميرته الخاصة، يلتقط ما يشاء وقت ما يشاء، يعدل ويحذف وينتقي، لكن الصورة المطبوعة أبقى... أبقى في الذاكرة وأبقى من ناحية الحفاظ عليها، عبر ألبومات الصورة البلاستيكية والورقية".
ويبين: "مينولوته" هي أول كاميراتي، وصلتني هدية من أصدقاء في بريطانيا عام 1993، واستمررت في العمل بها 12 عاما، قبل أن أنتقل للتصوير الرقمي "الديجتال"، وثمن صورتي منذ بدأت المهنة هو خمسة شواقل.
ويتابع: عائلة في الرياض حصلت على صورها بعد 8 سنوات، فالانتفاضة الثانية (2000-2005) زعزعت العمل لدي كمصور متجول، عائلات كثيرة هاجرت من البلد وتركت صورها لدي.
ويضيف: كنت أصور بمعدل 15 ألف صورة سنوية، اليوم زبائن قديمون يبعثون أبناءهم لألتقط لهم صورا تذكارية كنوع من الخجل، ولأنني صديق آبائهم.
ويختم علوش: أجهزة الهاتف تتعرض للخراب والتلف وهي مؤقتة، بينما الصورة المطبوعة فرصتها بالبقاء على قيد الحياة تكون أكبر ولها نكهتها وبهجتها، حين يقوم الانسان بمراجعة تفاصيل حياته وذكرياته، أو في لمة عائلية ومناسبة اجتماعية يجري خلالها فتح ألبومات الصور.
احصاءات تقديرية أشارت إلى أنه يوجد في مدينة نابلس نحو (30) استوديو تصوير، ما يجعلها أكثر المدن الفلسطينية التي يتوافر بها استوديوهات للتصوير، إلى جانب مدن رئيسية كغزة والقدس المحتلة.
يُشار إلى أن بدايات التصوير الفوتوغرافيّ في فلسطين تعود إلى القرن التاسع عشر، ويرجّح الباحث عصام نصّار في كتابه "لقطات مغايرة: التصوير المحلي المكبر في فلسطين 1850-1948" أنّ التصوير الفوتوغرافي جاء إلى فلسطين على أيدي مصوّرين أوروبيين، كجزء من المشروع المعرفي والاستعماري الأوروبي، لكن تطوّره كصنعة محلية كان من مظاهر القرن العشرين، حيث بدأت تظهر استوديوهات التصوير في عددٍ من المدن الفلسطينية، أهمها يافا، والقدس، تلتهما حيفا، والناصرة، وبيت لحم، ورام الله.
ويضيف نصار: يبدو أن تركيز التصوير المحليّ انكبّ على المجال الاجتماعي، فانتمت الغالبية العظمى من الصور في العقدين الأوّلين على بداية التصوير المحليّ إلى فئة البورتريهات، وقد يُعزى ذلك إلى أن العمل في تلك المرحلة كان منحصرا على المحترف أو الاستوديو إلى حدّ كبير، ولذلك، فإن إنتاج الصور العائلية كان الأكثر شيوعا.