رمزية الوردة..
يامن نوباني
غير بعيد عن معسكرات جيش الاحتلال، حيث المجنزرات والجيبات وناقلات الجند التي تدوس مزارع المواطنين في سهل البقيعة شمال الضفة الغربية، حولت الشابة رمزية جعايصة (37 عاما)، حلمها الطفولي إلى واقع تفتحت فيه خمسة آلاف وردة جوري.
جعايصة وهي مهندسة صناعية، من بلدة طمون (3 كيلومترات شرق مدينة طوباس)، بالتعاون مع زوجها ونظيرها المهندس طلال بني عودة، استفادا من مشروع للإغاثة الزراعية، وحصلا على تمويل يؤسس لمشروعهما الخاص.
إنه "مشتل أرض الورد"، حيث الشغف اللامحدود بأزهار "الجوري" المتنوعة.. وحيث التفاني لـ"بيت بلاستيكي" جرى تطويره، خطوة بخطوة، بتقنيات الزراع الحديثة، بالمال والجهد والعرق.
"طول عمري أحب الورد، وأشعر أنه يجب أن يكون هناك تواصل حسي بين المزارع والورد، ما يجعلها منتجة وحيوية لفترة تمتد من 8 إلى 15 سنة" تقول جعايصة، لافتة الى أن الورود بحاجة إلى أشياء بسيطة من وسائل العناية، فهي تحتاج الماء والهواء والشمس.. الى جانب "بناء علاقة" مرهفة معها.
وفيما يشبه الغزل، توضح جعايصة أن ورودها ليست ككل الورود، فهي مميزة برائحة زكية وعبقها يمتد لمسافات، وتمتلك أوراقها ملمسا ناعما، كما أنها تملك في بيتها "الوردي" معظم ألوان "الجوري": الأحمر، والخمري المسمى بـ"اللفلي"، والسكري، والبصلي، والفوشي، والزهري، والبرتقالي.. ومختلف تدرجات الألوان.
وترى جعايصة، أن أهم عقبة تواجه العاملين في قطاع الورد هي نقص الخبرة الفنية والتقنية، وتضيف: يجب أن تكون لديك دراية في مختلف الآفات التي قد تصيب الورد، مثلا هناك مشكلة "البياض الدقيقي" و"التريبس" والدودة، كما أن الورد حساس للبرد الشديد وللحر الشديد وللرطوبة العالية، وعلى زارع الورد أن يحافظ على ظروف معيارية تكون بيئة مثالية لنشأة الوردة.
وتبين، في فصل الشتاء وأيام البرد، نستخدم ستارا ثانيا داخل البيت البلاستيكي، نقوم برفعه عاليا عن الورد، لتخفيف شدة الرطوبة، وفي أيام الصيف الحارة نقوم بإنزال الستار لتخفيف الحرارة على الورد، مع مراعاة وجود تهوية جيدة في كافة الأوقات، والري اليومي بكميات قليلة ومعتدلة.
وتضيف، يحتاج المشتل إلى زيارة يومية، فالورد بحاجة لتقنيب بعض الفروع، خاصة فرع "عيون المي" الذي يتم سحبه والتخلص منه لأنه مضر بالوردة ويؤثر على نموها وانتاجيتها.
وحول طبيعة القطف، يقول طلال بني عودة: ذروة انتاج وقطف الورد تكون في فصل الصيف والفترات الدافئة من السنة، خاصة من منتصف نيسان وحتى منتصف تشرين الأول، وفي بعض أيام الصيف يكون هناك قطف صباحي ومسائي، بينما في الشتاء فالقطف يكون مرتين أسبوعيا.
ويتابع: ينتج المشتل بمعدل 2000-2500 وردة في الشهر، وللزبائن أذواق في اختيار مقاس ولون الوردة، فهناك وردة قصيرة وأخرى طويلة، ولون غامق وآخر فاتح، كما أن طول وسماكة الساق يصنع فرقا في السعر، الوردة الطويلة أغلى من الوردة القصيرة، وذلك لإمكانية تشكيلها في الزينة بأشكال مختلفة.
ويشير بني عودة الى انه ليست لديه القدرة وزوجته على منافسة الورود القادمة من السوق الاسرائيلية، وهو ما تؤكده زوجته جعايصة، التي تقول: بدأنا التسويق في محل زهور في مدينة طوباس، ثم جنين، ثم رام الله ونابلس، غير أن علاقتنا بأصحاب المحلات متذبذبة، وحاليا نرتكز على أحد الزبائن في جنين، وفي باقي المدن يأتون إلينا في أوقات لا يكون لديهم بديل، وسبب هذا التذبذب هو إغراق السوق بالورد الاسرائيلي ذي الأسعار المنخفضة، مشددة على أن ما يتم استيراده من السوق الاسرائيلية هو ورد لا يحمل مواصفات جيدة ويتم توزيعه بسعر 3-4 أغورات، ونحن نقوم بتوزيعه بسعر شيقل إلى شيقل ونصف، وهو سعر طبيعي ومقبول، ويباع في محال الزينة ما بين 7-10 شواقل، وفي مناسبات معينة كعيد الحب أو عيد الأم يرتفع كثيرا.
وتطالب جعايصة وزوجها بني عودة، بضبط السوق ومنح الورد الفلسطيني دوره في تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي، والمساهمة في تشغيل الأيدي العاملة، وإيجاد مصدر رزق لعائلات كثيرة.
وتشير التقديرات والاحصاءات شبه الرسمية، إلى أن الضفة الغربية تستورد 90% من ورودها من اسرائيل، وهو ما يؤثر سلبا على أصحاب مشاتل الورد، خاصة أن الاحتلال يضع أسعارا مخفضة جدا عن أسعار الورد الفلسطيني، وهو ما يعيق تسويقه وتحقيقه للأرباح المتوقعة.
وتبين جعايصة، أن الخبرة لدى زوجها، والشغف، وحب الاختلاف عما يزرع الناس، هو ما دفعهما لهذا المشروع.
وحول التحديات التي تواجهها، تضيف جعايصة: هناك نظام خلايا التبريد السليوزية، وهي عبارة عن كرتون سليوزي يقوم بتدفيق الهواء فوق الورد، ويعمل حركة ترطيب للورد، ما يوفر أجواء مثالية للنمو، هذا كان ضمن خطتنا للمرحلة الأساسية، غير أنه مكلف خاصة لمشروع في مراحله التأسيسية.
وتضيف: كان أبرز تحدٍ لنا هو الخطوة الأولى، بعدما نصحنا كثيرون بالاتجاه نحو زراعة خضار أو نباتات أخرى غير الورد، لكنه حلمي وها هو يتحقق ويتفتح.
وتتابع: حين افتتحنا المشروع، في تشرين الثاني 2016، كان سقف طموحنا عاليا، فقررنا استغلال الدونم الآخر من أجل زراعة "الخضار" وهو المكون الثاني لباقات الورود، ويتكون من ورقيات تشكل الباقة بأكملها، ومنه خضار الهوا والثلج وأوراق شبيهة بورق التين، فمتاجر الورد لا تطلب الجوري فقط، وهو غير مربح، لكن حتى الآن لم نتمكن من انجازه.
يُشار إلى أن سهل البقيعة، الذي تبلغ مساحته 275 ألف دونم قسم الى قسمين: شرقي وغربي، يفصل بينها شارع يربط حاجز الحمرا بمناطق الـ(48)، حيث استولت سلطات الاحتلال على القسم الشرقي في العام 75، فيما تجهد الآن في الاستيلاء على القسم الغربي الذي تبقى منه حتى العام 2005، 30 ألف دونم فقط.
_