فلسطين ليست مادة رخيصة للإثارة ولأسلوب الصحافة الصفراء.. بقلم: د.محمود خلوف كاتب وباحث فلسطيني
منذ جريمة اغتيال الجنود والضباط المصريين الـ16 في الخامس من أغسطس الجاري، نجد من يحترف أسلوب الإثارة والتسخين مستغلا اسم فلسطين، وكأنها أصبحت "سلعة رخيصة " تستخدم في المزايدات السياسية، والخلاف الحاصل في مصر بين القوى، والذي يأتي نتاجا للواقع الجديد على الأرض في ضوء ما أفرزته الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
والأمر لا يقتصر- للأسف -على جريمة استشهاد الجنود في رفح، بل كثيرا ما وجدنا بعض وسائل الإعلام تهول وتروج على مدار الأسابيع الماضية بأن أنظار الفلسطينيين تتجه إلى سيناء، وأنهم يشترون الأراضي بهدف الهجرة، والإقامة في رفح والعريش؟!...ووصل الأمر بأحد الكتاب إلى درجة الإدعاء في مادة نشرها بإحدى الصحف في شهر يونيو بأن فلسطينيين يتسللون حاليا عبر الأنفاق لسرقة ثمار الزيتون من رفح والعريش، مع أن جني ثمار الزيتون يكون في سبتمبر وأكتوبر؟!.
وفي ضوء ما سبق أذكر بأن الإساءة لفلسطين أو للفلسطينيين عن قصد أو غير قصد من قبل بعض الكتاب والصحفيين المصريين والمحللين- حتى لو كانوا أقلة-أثار تحفظ وغضب العديد من السياسيين والفنانين والنخب ما دعا حزب العمل الجديد، وحركات ثورية مصرية بالتنسيق مع تجمع قوى الربيع العربي لتنظيم لقاء في النادي الدبلوماسي النهري قبل عشرة أيام لتوضيح الموقف وللاعتذار للشعب الفلسطيني.
وما نشر على مدار اليومين الماضيين في عدد من الصحف المصرية من ضمنها صحيفة "قومية" خصصت المناشيت العريض لها في صدر صفحتها الأولى في عدد 26/8/2012 للقول بأن المنفذ الرئيسي للهجوم على الجنود المصريين هو فلسطيني، وأن الصحفي قد وصل إلى المخبأ الذي كان يحتمي به؟!، يظهر بأن الرسالة التي أطلقها عدد من المتنورين والقادة والحكماء من النادي الدبلوماسي النهري في القاهرة لم تصل بعد إلى آذان البعض.
إن هذه "المعلومات" لم يثبت صحتها إذا ما نظرنا إلى التقرير المهم الذي نشرته "بوابة الأهرام" قبل عشرة أيام الذي أكد خلاله مسؤول رفيع في المخابرات المصرية أن المخططين والمسؤولين الأساسيين في هذا الهجوم هم من سيناء وأن الهجوم انطلق بالغالب من منطقة جبل الحلال، كما يدعم رفض فرضية أن المنفذين من قطاع غزة التقرير الذي نشرته "بوابة الشباب" المصرية يوم 25 أغسطس الجاري، والذي أورد تأكيدات مصرية رسمية تفيد بأن التنسيق مع القوى الأمنية المسيطرة على قطاع غزة بشأن الوضع على الحدود لا يعني بأن المنفذين انطلقوا من القطاع.
وبغض النظر عن هوية منفذي العملية الإرهابية من المسلمات القول بأن الفلسطيني لا يقبل بأن يكون عبئا على أمن مصر القومي، وأن أخطاء فردية-إن وجدت- يجب ألا يتم تحميلها إلى 12مليون فلسطيني.
وفي سياق "التخسين" والتهويل والمبالغة، كتب أحد الصحفيين مساء يوم الرابع والعشرين من الشهر الجاري خبرا مفاده بأنه يتم التحقيق مع فلسطيني ألقي القبض عليه قرب الاسماعيلية وبحوزته نقود إسرائيلية(20 شيقل)، مع أن الشيقل عملة متداولة في مصر، ويستخدمها السياح في شرم الشيخ وطابا، ونويبع، وتتعامل معها البنوك المصرية.
فكان الأجدر بالصحفي بألا يستهجن حمل الفلسطيني للشيقل؛ لأن هذا مفروضا عليه، بل كان مأمولا منه بأن يركز على الاحتلال وتداعياته، والظروف التي أجبرت الفلسطيني على التعامل بعملة من يحتل أرضه ويضغط على أنفاسه ليل نهار.
إن الانقسام الفلسطيني، واستمرار الاحتلال، وعدم قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة يفترض بألا يكون دافعا لدى البعض للتعامل مع الفلسطينيين بأنهم "الحلقة الأضعف"، وبخاصة إن كان الأمر يتعلق بكاتب أو صحفي أو مواطن أو مسؤول من دولة شقيقة، فكيفي الفلسطيني همه اليومي، والحصار الخانق، وألم السجن وفقدان الحبيب والصاحب بسبب الاحتلال وعدوانه ومجازره.
وفي سياق النقد الذي أوجهه للزملاء والأخوة وللشعب الذي أحبه، ولأخوة من بلد له فضل عليّ شخصيا، لن أنكره أبدا طيلة حياتي، أتساءل أين دور المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين المصريين، واتحاد الصحفيين العرب مما يجري؟!.
كما أنه بات مطلوبا توجيه رسالة للمؤسسات الفلسطينية الأهلية والخاصة ولنقابة الصحفيين الفلسطينيين مفادها بأن الصمت، وعدم التحرك لدى جهات الاختصاص في مصر من مؤسسات إعلامية ونقابية ومنظمات أهلية، وأحزاب سياسية، وللصفوة في المجتمع المصري، ليس مبررا، فالمصريون سيتقبلون النقد بصدر رحب، وقد تكون هناك أمور غفلها البعض بسبب هموم الحياة اليومية وكثرة الأحداث في هذا البلد الشقيق.
وعلى الرغم من هذه الشوائب تبقى الغالبية العظمى من أبناء الكنانة رافضة لأية إساءة للشعب الفلسطيني، وهذا شيء محمود، ويشكروا عليه وهو أمر يحسب إلى بلد الكنانة دائما، وتبقى رسالتنا لهم بأنه مطلوب مزيد من التحرك لوضع حد لبعض الممارسات غير المسؤولة من قبل بعض الكتاب والصحفيين والمحللين.