أهمية قمة عدم الانحياز.. بقلم: عادل عبد الرحمن
انعقاد قمة عدم الانحياز في جمهورية إيران الاسلامية يشكل بكل معايير السياسة نجاحا للدولة المضيفة. حيث تمثل القمة ضربة قوية لسياسة الحصار السياسي والاقتصادي، التي تفرضها الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الاتحاد الاوروبي.
رغم مقاطعة وغياب حوالي اربعين دولة عن القمة، وحضور ثمانين دولة فقط، فإن عقد القمة في طهران يعتبر انتصارا لدولة الملالي. مع ان الولايات المتحدة ودولة الابرتهايد الاسرائيلية مارستا الضغوط على العديد من قادة دول العالم الثالث والامين العام للامم المتحدة، لثنيهم عن حضور القمة.
كما ان تراجع القيادة الايرانية عن السياسة، التي انتهجتها في توجيه الدعوة للقائد الحمساوي اسماعيل هنية، انقذها من تعثر القمة، لا سيما وان القيادة الشرعية الفلسطينية هددت بالمقاطعة للقمة، فضلا عن الموقف الحازم لمكتب التنسيق لمنظمة عدم الانحياز، الذي هدد بتعطيل اعمال القمة. وبالتالي شكلت القمة انتصارا ايضا للشرعية الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس. أضف الى ان القمة ستكون منبرا دوليا مهما للاعب الفلسطيني لانتزاع اهداف سياسية لخدمة التوجهات الوطنية لجهة دعم الموقف الفلسطيني في التوجه للامم المتحدة للحصول على العضوية غير الكاملة لدولة فلسطين، وكذا القرارات الداعمة للحقوق الوطنية الثابتة، وادانة سياسات دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية. كما ان القمة تشكل منبرا للقيادة الفلسطينية لاجراء اللقاءات الثنائية والثلاثية مع قيادات الدول المشاركة في القمة بهدف تعزيز العلاقات المشتركة مع اولئك القادة ودولهم.
من المؤكد ان قادة إيران سيحاولون دعم مواقف نظام بشار الاسد، من خلال إصدار قرارات لصالح شرعيته، غير ان المؤشرات الاولية تشي بعدم إمكانية تحقيق هكذا خطوة، خاصة وان التصويت، الذي جرى قبل فترة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد النظام السوري، يعتبر عاملا مهما في قراءة المناخ السياسي العام لدول عدم الانحياز. فضلا عن ان حدود المناورة الايرانية – السورية، سيكون محدودا جدا، بسبب المجازر والمذابح، التي نفذها النظام الاستبدادي في سوريا، والتي أزكمت رائحتها أنوف العالم كله.
وفي حال تقرر اتخاذ قرارات بشأن الوضع في سوريا، فلن تكون لصالح النظام، انما لصالح الشعب السوري وثورته الشجاعة. وفي أسوأ الأحوال ستؤكد القمة على مبادرة سياسية عنوانها الابرز رحيل الاسد الابن عن الحكم، والانتقال السلمي للسلطة مرورا بمرحلة انتقالية، واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة لحماية الدولة السورية من التفتيت، وقطع الطريق على اميركا واسرائيل ومن لف لفهما، الذين يسعون لتمزيق وحدة الارض والشعب العربي السوري.
قمة عدم الانحياز المنعقدة الآن في طهران، تعتبر نجاحا لدول المنظمة، التي حافظت على مكانة ودور المنظمة، رغم كل التحولات الدراماتيكية في الخارطة السياسية الدولية، وما رافقها من ضعف وتداع لخيار عدم الانحياز بعد انتصار العولمة الاميركية قبل اكثر من عقدين.
وبالضرورة فإن استمرار ومواصلة منظمة دول عدم الانحياز، قد يمنحها دورا اكثر اهمية في المستقبل، لا سيما وان العالم يتجه نحو حقبة جديدة، ما زالت ملامحها في طور التبلور. وكون دول العالم الثالث على ما تعانيه من ضعف وتبعية للغرب الرأسمالي عموما والاميركي خصوصا، ضاقت ذرعا من وحشية العولمة الاميركية، وكفرت بالانتهاكات الخطيرة لسياداتها القومية، وامتهان رموزها القومية مع ما يرافق ذلك من نهب لثرواتها، وتذويب لثقافاتها القومية، وتعميق لتناقضاتها الداخلية. الأمر الذي سيدفعها الى الحفاظ على مبدأ التضامن بين دولها وشعوبها رغم التباينات والاختلافات الموضوعية بين انظمتها السياسية كحد ادنى للتكافل فيما بينها ضد القوى الامبريالية، التي تستهدفها راهنا وفي المستقبل الواعد بعالم اكثر إنصافا لشعوب العالم.
مع ذلك لا يعني انعقاد القمة، ان إيران تجاوزت حدود التهديد بالحرب عليها من قبل الولايات المتحدة ودولة الابرتهايد الاسرائيلية، بل قد تعاظم من عمليات التحريض على الحرب عليها، لتصفية حساب إسرائيلية – اميركية من إيران ودول عدم الانحياز على حد سواء، لأن التحالف الاميركي – الاسرائيلي لا يقبل التمرد على سياساته وخاصة من دول العالم الثالث، لا سيما وان عقد القمة بحد ذاته يشكل تحديا للتوجهات الاميركية – الاسرائيلية.