"أم جواد البطمة": حارسة التطوع والبيئة
رام الله - ألف- عبد الباسط خلف:
رأت ناديا البطمة النور العام 1949 في بتير، إحدى قرى ريف بيت لحم، الواقعة جنوب غرب القدس. وعُرف والدها حسن مصطفى(1914-1961) برائد التنمية والإصلاح والقروي، فتأثرت بأفكاره ومواقفه: "كان لفكر أبي التنموي ومواقفه الوطنية وانجازاته الأثر الكبير في تشكيل معالم شخصيتي، ولا زلت أتذكر كيف كان ينظر والدي لمفهوم"العونة"، العادة الاجتماعية التي حولها لعمل راق ونافع، دون انتظار عائد مادي، كما كان كاتباً وبيئياً، مثلما أحب الأرض.
تسترد تفاصيل والدها الراحل، فهو الذي اعتبرته منظمة "اليونسكو" صاحب مشروع تنموي مجتمعي، كان الأكثر نجاحاً في العالم العربي، وتفوق في تصنيفه على مشروع التربية الأساسية التي أقامته وقتئذ، في "سرسليان" محافظة المنوفية المصرية.
تقول: اهتم والدي بتعليم المرأة، وكنت ابنته الوحيدة ولي أخ واحد(مازن)، فالتحقت بدار المعلمات، وبدأت بالتدريس وأنا ابنة سبعة عشر عاماً. في العام 1975، عدت ثانية إلى مقاعد جامعة بيت لحم، لدراسة اللغة الإنجليزية، وقتها، كنت أمًا لثلاثة أولاد: جواد(8 سنوات)، وسامية( 6 أعوام)، وريم التي لم تكمل ستة أشهر، لم أكمل المهمة، وحاولت أعادة التجربة ثانية في أوائل التسعينيات، لكن الرياح جرت بخلاف ما اشتهته سفنها.
وكان طموح ناديا مواصلة التعليم، لكنها سرعان ما نزلت في سن مبكر من عمرها إلى الميدان وتألقت كمعلمة، وشجعت الفتيات على التعليم، وحققت ذاتها كمدرسة متميزة، وامتلكت إحساسًا بالمسؤولية.
أنشأت حديقة للمدرسة، واستحدثت أقسام من الصفوف لغرض الممارسة التطبيقية، فأسست بتبرعات جمعتها ثلاث وحدات للمطبخ وللتعليم المنزلي، ووحدة رعاية صحية، وأخرى للاهتمام بالأطفال، كما استثمرت المدرسة لمحو الأمية، والصناعات المنزلية، والصحة، والعلوم الحياتية، وزرعنا الحديقة بأصناف الأشجار، وأسست نادي الفلكلور في المدرسة، وأنشأت لاحقاً جمعية خيرية باسم والدها.
مما يُحسب لها أنها أطلقت ناديا حمل اسم والدها داخل بلدها، باستثمار مواقع مهدمة وتحويلها إلى مركز ثقافي ومتحف وقاعة عامة. واتجهت أم جواد إلى الكتابة، واقتربت من مجلة "التراث والمجتمع"، التي كانت تصدر عن جمعية إنعاش الأسرة، ونشرت العديد من المقالات والدراسات، لكن دراسة تحدثت فيها عن أقدم نظام للري في فلسطيني، تحولت لمرجع هام، لدرجة أنها صارت مرجعاً وحيداً لطالب دراسات عليا: "أواخر الخمسينيات، كنتُ طفلة، وشاهدت احتفلاً أطلقه والدي في يوم الشجرة، باسم"الشجرة الخالدة"، كان حينها يوزع مع الأشجار بطاقة معايدة خضراء".
نفذ والدها الراحل حملات تشجر عديدة في كل عام، وأقترب من المناطق غير المستغلة في الزراعة، واستصلحها. وعكفت على إصدار كتاب تناول الفصول الأربعة التراث البيئي، وأشار إلى مواسم السنة من وجهة نظر تراثية، ويتحدث عن الأمثال الشعبية المتصلة بحالات الطبيعة من مطر و ندى و صيف وزراعة وحصاد وتوقعات جوية.
تقول: في الكتاب، تطرقت إلى القدرة التي تمتع بها الأجداد في التنبؤ الجوي، وعلاقتهم بالظواهر الطبيعية، وكيف استثمروا حركة الطيور المهاجرة، ومواضع النجوم في التعرف إلى الظواهر القادمة. ومن المهم أن نتحدث عن الفلاح الفلسطيني المتمرس، الذي يعيش الجو الوجداني الذي يؤسس لعلاقة تفاعل مع الطبيعة المحيطة به، وأن نشير إلى الأهازيج والأغاني الوطنية التراثية التي نسجها الفلسطيني من وحي عشقه لأرضه وما عليها.
تكمل: كل شيء تغير بسبب الإنسان لدرجة أن العجوز حسن حسين البطمة، لم يصدق أنه شاهد لأول مرة في حياته خلال موسم الزيتون الماضي، كيف أن الشجرة المباركة ذابلة من شدة الجفاف.
طلبت أم جواد من مهندس البيت الذي شيدته وعائلتها في سردا الملاصقة لمدينة رام الله، أن يخصص لها مساحات لزراعة أشجار ونباتات، لاعتقادها أن بيتاً بلا حديقة لا يمكن لإنسان يهوى الطبيعة ويحبها أن يعيش فيه.
تتابع: زرعنا الجهة المقابلة لمنزلنا من الشارع، وصار الصحافيون الذين كانوا يتوافدون للمكان خلال إقامة الاحتلال للحواجز العسكرية، يلتقطون صورًا للمساحات الخضراء، كما أن الحديقة ذاتها تحولت لخلفية تظهر في القنوات الفضائية لمحلل سياسي يسكن في المكان.
تتقن البطمة فن تحضير المأكولات الشعبية التراثية وأطباق الحلوى، وحرصت على نقل أجزاء من مهاراتها لقراء مجلة جمعية إنعاش الأسرة. تقول: نضفي على موائدنا الطابع التراثي، ولا نقدم لأصدقاء أولادي الأجانب الذين يزرونا في مواسم عديدة، ويشاركوننا في قطاف الزيتون، غير مأكولات شعبية منتجة محلياً تستهوي إعجابهم.
حرصت أم جواد على ارتداء الزي الفلسطيني خلال فترة تدريسها التي استمرت حتى العام 1997، كما أن لديها مجموعة من الثياب والمطرزات الوطنية، وكتبت عن الأبعاد النفسية والاقتصادية والاجتماعية للثوب الفلسطيني، وتحرص على التعريف بالمنتجات التراثية الخالية من الكيماويات، وتشارك زوجها في هوايته بتربية النحل.
نقتبس مما كتبته السيدة نادية عن أقدم نظام ريّ وتوزيع للمياه في فلسطين :" تميزت قرية بتير عن غيرها من قرى فلسطين بأن حظيت منذ الأربعينيات من القرن الماضي برعاية أحد أبنائها رائد تنمية المجتمع في فلسطين والأردن والعالم العربي رائد "العونة" والعمل التطوعي في سبيل المصلحة العامة، حيث قام المرحوم(والدها) في 13 آب 1950 بأول مشروع يتعلق بالري قبل الهجرة عام 1948 بمد قناة الماء من العين إلى أسفل الوادي بدل القنوات الترابية وكانت عين بتير في عهد الانتداب قد ضبطت مائها في مواسير ومحابس معدنية من الفولاذ والحديد والنحاس فكان المشروع الثاني في أيلول عام 1950 بعد النكبة بأن وضع حسن مصطفى الحجر الأول في بناء عين بتير ومدرجاتها على شكل يليق بالنبع الكريم من الحجر الأحمر المسمسم. والأحواض الرخامية. وقد زين البناء المرحوم (سلامة أحمد سلامة) واجهة العين بحجر وثق عليه أبناء القرية ذكرى تجديد البناء فحط على هذه اللوحة أسم مجددها وتاريخ التجديد اعترافا منهم بفضل فاعله وحسن صنيعة، وفي 13 آب 1950 هوت أول ضربة فأس معلنة بدء العمل في طريق بتير ومبشرة بقرب ارتباط القرية بالعالم بعد عزلها عن فلسطين السليبة والاستيلاء على محطة القطار وخط سكة الحديد من القدس شمالا إلى يافا غربا وطريق بتير ربطت القرية عبر الجبال الوعرة مرورا في قرية الخضر ثم ببيت لحم وانتهى هذا العمل في 28 شباط 1951." تنهي بابتسامة عفوية: أنا حارسة التطوع بالوراثة.
رأت ناديا البطمة النور العام 1949 في بتير، إحدى قرى ريف بيت لحم، الواقعة جنوب غرب القدس. وعُرف والدها حسن مصطفى(1914-1961) برائد التنمية والإصلاح والقروي، فتأثرت بأفكاره ومواقفه: "كان لفكر أبي التنموي ومواقفه الوطنية وانجازاته الأثر الكبير في تشكيل معالم شخصيتي، ولا زلت أتذكر كيف كان ينظر والدي لمفهوم"العونة"، العادة الاجتماعية التي حولها لعمل راق ونافع، دون انتظار عائد مادي، كما كان كاتباً وبيئياً، مثلما أحب الأرض.
تسترد تفاصيل والدها الراحل، فهو الذي اعتبرته منظمة "اليونسكو" صاحب مشروع تنموي مجتمعي، كان الأكثر نجاحاً في العالم العربي، وتفوق في تصنيفه على مشروع التربية الأساسية التي أقامته وقتئذ، في "سرسليان" محافظة المنوفية المصرية.
تقول: اهتم والدي بتعليم المرأة، وكنت ابنته الوحيدة ولي أخ واحد(مازن)، فالتحقت بدار المعلمات، وبدأت بالتدريس وأنا ابنة سبعة عشر عاماً. في العام 1975، عدت ثانية إلى مقاعد جامعة بيت لحم، لدراسة اللغة الإنجليزية، وقتها، كنت أمًا لثلاثة أولاد: جواد(8 سنوات)، وسامية( 6 أعوام)، وريم التي لم تكمل ستة أشهر، لم أكمل المهمة، وحاولت أعادة التجربة ثانية في أوائل التسعينيات، لكن الرياح جرت بخلاف ما اشتهته سفنها.
وكان طموح ناديا مواصلة التعليم، لكنها سرعان ما نزلت في سن مبكر من عمرها إلى الميدان وتألقت كمعلمة، وشجعت الفتيات على التعليم، وحققت ذاتها كمدرسة متميزة، وامتلكت إحساسًا بالمسؤولية.
أنشأت حديقة للمدرسة، واستحدثت أقسام من الصفوف لغرض الممارسة التطبيقية، فأسست بتبرعات جمعتها ثلاث وحدات للمطبخ وللتعليم المنزلي، ووحدة رعاية صحية، وأخرى للاهتمام بالأطفال، كما استثمرت المدرسة لمحو الأمية، والصناعات المنزلية، والصحة، والعلوم الحياتية، وزرعنا الحديقة بأصناف الأشجار، وأسست نادي الفلكلور في المدرسة، وأنشأت لاحقاً جمعية خيرية باسم والدها.
مما يُحسب لها أنها أطلقت ناديا حمل اسم والدها داخل بلدها، باستثمار مواقع مهدمة وتحويلها إلى مركز ثقافي ومتحف وقاعة عامة. واتجهت أم جواد إلى الكتابة، واقتربت من مجلة "التراث والمجتمع"، التي كانت تصدر عن جمعية إنعاش الأسرة، ونشرت العديد من المقالات والدراسات، لكن دراسة تحدثت فيها عن أقدم نظام للري في فلسطيني، تحولت لمرجع هام، لدرجة أنها صارت مرجعاً وحيداً لطالب دراسات عليا: "أواخر الخمسينيات، كنتُ طفلة، وشاهدت احتفلاً أطلقه والدي في يوم الشجرة، باسم"الشجرة الخالدة"، كان حينها يوزع مع الأشجار بطاقة معايدة خضراء".
نفذ والدها الراحل حملات تشجر عديدة في كل عام، وأقترب من المناطق غير المستغلة في الزراعة، واستصلحها. وعكفت على إصدار كتاب تناول الفصول الأربعة التراث البيئي، وأشار إلى مواسم السنة من وجهة نظر تراثية، ويتحدث عن الأمثال الشعبية المتصلة بحالات الطبيعة من مطر و ندى و صيف وزراعة وحصاد وتوقعات جوية.
تقول: في الكتاب، تطرقت إلى القدرة التي تمتع بها الأجداد في التنبؤ الجوي، وعلاقتهم بالظواهر الطبيعية، وكيف استثمروا حركة الطيور المهاجرة، ومواضع النجوم في التعرف إلى الظواهر القادمة. ومن المهم أن نتحدث عن الفلاح الفلسطيني المتمرس، الذي يعيش الجو الوجداني الذي يؤسس لعلاقة تفاعل مع الطبيعة المحيطة به، وأن نشير إلى الأهازيج والأغاني الوطنية التراثية التي نسجها الفلسطيني من وحي عشقه لأرضه وما عليها.
تكمل: كل شيء تغير بسبب الإنسان لدرجة أن العجوز حسن حسين البطمة، لم يصدق أنه شاهد لأول مرة في حياته خلال موسم الزيتون الماضي، كيف أن الشجرة المباركة ذابلة من شدة الجفاف.
طلبت أم جواد من مهندس البيت الذي شيدته وعائلتها في سردا الملاصقة لمدينة رام الله، أن يخصص لها مساحات لزراعة أشجار ونباتات، لاعتقادها أن بيتاً بلا حديقة لا يمكن لإنسان يهوى الطبيعة ويحبها أن يعيش فيه.
تتابع: زرعنا الجهة المقابلة لمنزلنا من الشارع، وصار الصحافيون الذين كانوا يتوافدون للمكان خلال إقامة الاحتلال للحواجز العسكرية، يلتقطون صورًا للمساحات الخضراء، كما أن الحديقة ذاتها تحولت لخلفية تظهر في القنوات الفضائية لمحلل سياسي يسكن في المكان.
تتقن البطمة فن تحضير المأكولات الشعبية التراثية وأطباق الحلوى، وحرصت على نقل أجزاء من مهاراتها لقراء مجلة جمعية إنعاش الأسرة. تقول: نضفي على موائدنا الطابع التراثي، ولا نقدم لأصدقاء أولادي الأجانب الذين يزرونا في مواسم عديدة، ويشاركوننا في قطاف الزيتون، غير مأكولات شعبية منتجة محلياً تستهوي إعجابهم.
حرصت أم جواد على ارتداء الزي الفلسطيني خلال فترة تدريسها التي استمرت حتى العام 1997، كما أن لديها مجموعة من الثياب والمطرزات الوطنية، وكتبت عن الأبعاد النفسية والاقتصادية والاجتماعية للثوب الفلسطيني، وتحرص على التعريف بالمنتجات التراثية الخالية من الكيماويات، وتشارك زوجها في هوايته بتربية النحل.
نقتبس مما كتبته السيدة نادية عن أقدم نظام ريّ وتوزيع للمياه في فلسطين :" تميزت قرية بتير عن غيرها من قرى فلسطين بأن حظيت منذ الأربعينيات من القرن الماضي برعاية أحد أبنائها رائد تنمية المجتمع في فلسطين والأردن والعالم العربي رائد "العونة" والعمل التطوعي في سبيل المصلحة العامة، حيث قام المرحوم(والدها) في 13 آب 1950 بأول مشروع يتعلق بالري قبل الهجرة عام 1948 بمد قناة الماء من العين إلى أسفل الوادي بدل القنوات الترابية وكانت عين بتير في عهد الانتداب قد ضبطت مائها في مواسير ومحابس معدنية من الفولاذ والحديد والنحاس فكان المشروع الثاني في أيلول عام 1950 بعد النكبة بأن وضع حسن مصطفى الحجر الأول في بناء عين بتير ومدرجاتها على شكل يليق بالنبع الكريم من الحجر الأحمر المسمسم. والأحواض الرخامية. وقد زين البناء المرحوم (سلامة أحمد سلامة) واجهة العين بحجر وثق عليه أبناء القرية ذكرى تجديد البناء فحط على هذه اللوحة أسم مجددها وتاريخ التجديد اعترافا منهم بفضل فاعله وحسن صنيعة، وفي 13 آب 1950 هوت أول ضربة فأس معلنة بدء العمل في طريق بتير ومبشرة بقرب ارتباط القرية بالعالم بعد عزلها عن فلسطين السليبة والاستيلاء على محطة القطار وخط سكة الحديد من القدس شمالا إلى يافا غربا وطريق بتير ربطت القرية عبر الجبال الوعرة مرورا في قرية الخضر ثم ببيت لحم وانتهى هذا العمل في 28 شباط 1951." تنهي بابتسامة عفوية: أنا حارسة التطوع بالوراثة.