غزة على حصان «الإخوان»- زهير قصيباتي
عن الحياة اللندنية
«حماس» في حضن مصر بعد الثورة قد تصبح أقرب إلى الضفة الغربية، مما كانت عليه في أحضان «محور الممانعة» السوري - الإيراني. مشعل بعيداً من دمشق بات أقرب إلى رام الله من مسافة التحالف مع خامنئي. لكن الأكيد هو أن اسماعيل هنية يسابق مشعل على كسب قلوب جماعة «الاخوان المسلمين» وعقل الرئيس محمد مرسي... لبدء جولة جديدة من الصراع مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
لعلها مجرد «مصادفة» إطلاق حملة تخوين في غزة لرئيس السلطة المهددة بالإفلاس المالي، فيما هنية يجدد شباب حكومته برياح «الربيع العربي» في القاهرة. اتهامات لعباس، ودعوة الى محاكمته بشبهة النقص في الولاء الوطني لفلسطين... حملة شعواء تندد باعتقالات في الضفة لعناصر من «حماس» التي تبدو كأنها نجحت في إثارة أول أزمة بين عباس والقاهرة، باللقاء - «الهفوة» بين رئيس الوزراء المصري هشام قنديل وهنية الآتي من غزة على حصان جماعة «الاخوان».
وحدانية التمثيل الفلسطيني تُطرح مجدداً، وإنما هذه المرة قبل أيام من طلب عباس قبول فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة. وإذا كانت النتيجة التلقائية للجولة الجديدة من التأزم بين السلطة و «حماس»، هي تمديد أزمة الانقسام الفلسطيني، فالأهم هو انها تتطوع لتتيح لليمين الإسرائيلي مزيداً من أسلحة الطعن بشرعية الطلب. وتتيح الجولة لميت رومني المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، ذرائع أخرى لإرضاء اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، ومحاكمة شعب مضطهد بالاحتلال والانقسام... على مقصلة إسرائيلية.
«حماس» أقرب الى 25 يناير، كيف يمكن أن تسهّل لنتانياهو وحكومة التهويد وابتلاع الأرض، حفلة الابتزاز في الولايات المتحدة؟ للمعادلة خطان: إما إنهاء الانقسام وإنهاء تقسيم فلسطين فلسطينات، وإما تجديد هوسٍ بالسلطة، يريح إسرائيل من عناءٍ لاستكمال مشروع خفض «حلم الدولة» الى مرتبة إدارة صراع بين ميليشيات.
تريد «حماس» ترتيب «البيت الفلسطيني» قبل الانتخابات النيابية والرئاسية. ترى السلطة الاقتراع باباً الى المصالحة الكاملة، وبين سجالات الخلاف على الأولويات، لا يضير «حماس» أن تبدو كأنها تُبحِر مجدداً بشراع «اخوان» مصر، وللطرف الآخر ان يستنتج كما يشاء، استقواء الحركة بمرسي بدلاً من خامنئي والأسد.
أما عباس الزاهد كما يُقال بالرئاسة ومرارة المصالحة، فهو حتماً أول المحاصَرين: إسرائيل لا تثق بنياته السلمية وتحرّض الأميركيين على خنق سلطته، واشنطن لم تدّخر مسعى لإحباطه، و «حماس» لا تكترث لدفن أي اتفاق معه، بمجرد عودة مفاوضيها الى القطاع «المحاصر» بالأنفاق، وعبث الصواريخ الطائشة! كأن غزة الفقراء مرمى لتذكيرهم بثمن المقاومة، كلما نسوا الفارق بين سلطةٍ «ممانعة» وأخرى تريد الدولة.
أيهما أوْلى «البيت» أم الدولة؟ المقاومة أم السلطة؟ يروي ديبلوماسي من الطرف «اللاممانع» وقائع اقتصادية معيشية تضغط على مؤسسات رام الله والحكومة، قد يلخصها تقدير عجز الموازنة بـ400 مليون دولار. وأما مؤتمر المانحين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد يتحول فرصة لمقايضة السلطة.
الشق الآخر من الرواية، يقول الديبلوماسي، هو «الفائض المالي» من الأنفاق التي ترعرع على حوافها 1800 مليونير، يشغّلون مافيات تهريب من كل الأصناف الى غزة. هؤلاء يعتاشون على رقاب الفقراء المعلّقة بين مصالحة لا تأتي، وفضاءٍ للغارات الإسرائيلية.
أي «حماس» بعد «الربيع العربي»؟ نبدأ بجولة تخوين، تمرين على تجديد عمر المقاومة، في «دولة» الأنفاق العامرة.
هل تدرك الحركة دروس «الربيع» وأحواله؟ الفقر يتعمم، لماذا يشكو فقراء القطاع؟ في المنطقة قتلٌ بالجملة، أكثر بكثير مما تفعله إسرائيل. الرصاص الإسرائيلي يشحذ الهمّة لترتيب «البيت» بالقوة