المصالحة شجون وفنون - يحيى رباح
تطور الأمر قليلا إلى الأفضل في اجتماع حركتي فتح وحماس لإنجاز المصالحة الذي عقد الخميس في القاهرة، لأن الاجتماع الذي سبقه في التاسع من هذا الشهر خرج بإعلان نوايا، بينما هذا الاجتماع اتفق على جدول مواعيد، واتفق على «تكنيك جديد» للعمل ,أما الموعد فهو الثلاثين من هذا الشهر، لتكون الرؤوس الأربعة لورشة العمل التي انفتحت قد أنجزت شيئا حقيقيا يعتد به، سواء على صعيد لجنة الانتخابات المركزية والتي من المفترض أن تنفتح مكانتها الرئيسية والفرعية في غزة فعليا، وأن تكون قد قطعت شوطا في تجديد كشوف الناخبين فعليا، وكذلك استكمال عملها في الضفة، وهذا الموعد ينطبق أيضا على الجهد الذي سيبذله الرئيس في المشاورات التي سيجريها لاختيار أسماء لحكومة الوحدة الوطنية التي سيرأسها بناء على إعلان الدوحة .
و كذلك الحراك الذي ستتقدم به لجنة المصالحة المجتمعية ولجنة الحريات والحقوق العامة، كل ذلك تحت تعهد من الاطراف بالابتعاد عن التصعيد الإعلامي الذي غالبا ما يكون مدخلا لتسميم الأجواء من جديد .
كان من المفترض أن يكون الموعد في السادس والعشرين، ولكن الأخوة في حماس طلبوا مهلة لأن مجلس شورى حماس سوف يجتمع في السابع والعشرين ليقول رأيا نهائيا في المصالحة.
لاحظوا هنا ان الوضع الداخلي في حماس ما زال يلعب دورا رئيسيا في المصالحة الفلسطينية، مثلما رأينا في السادس من فبراير شباط العام الماضي، حين صدر إعلان الدوحة، بحل عقدة رئاسة الحكومة بقبول الرئيس بتولي المهمة على مضض لحل المشكلة، وكان من المفترض أن تتلاحق الخطوات التنفيذية لإتمام المصالحة، ولكن الوضع الداخلي لحماس طرح نفسه بقوة، وطلبت مهلة لإجراء الانتخابات الداخلية لانتخاب مجلس شورى ومكتب سياسي، وقد استغرق الأمر وقتا طويلا قياسا إلى الزمن الفلسطيني الملح والطارئ، ولكن تلك الانتخابات الداخلية جرت بهدوء.
المفارقة المهمة جدا : أن موضوعات المصالحة ومفرداتها، تبدو سهلة حين ننظر إليها بعقولنا من فوق السطح، لأنه مهما كانت تضحيات المصالحة كبيرة، فهي لا تقاس مطلقا بخسائر الانقسام وتداعياته على الشعب الفلسطيني.
و لكن حين نغادر السطح وننزل إلى الأعماق الخفية، والأطماع الشخصية التي لا يصرح بها أصحابها، فإن المصالحة حينئذ تنكشف انها سلسلة لا تنتهي من الشجون والفنون، بحيث تصبح بأبسط معانيها وأوضح تجلياتها هي الغائب الاكبر في تقاطعات تلك الشجون والفنون.
بطبيعة الحال فإن مقالا صغيرا مثل هذا الذي أعرضه عليكم، لا يمكن أن يتسع لشرح كل تلك التداخلات الفاقدة للحد الأدنى من المنطق أو النسق الوطني أو الاخلاقي، ولكن دعوني أذكر على سبيل المثال أولئك الذين يوصفون بأنهم مثقفون وكتاب ومفكرون ينتشرون على مساحة الجرائد العربية أو على مساحة أثير أيضا الفضائيات العربية، وكيف يصابون بالذعر مثل خفافيش الليل، أو مثل فئران الحقول، حين يلوح في الأفق أي نوع من بشارات المصالحة، أحد هؤلاء يبدو مذعورا وهو ينبه من يتحدث إليهم بصوت مبحوح قائلا “ إن المصالحة هي استسلام دون قيد أو شرط، ويسأله البعض: وهل الانقسام انتصار مظفر؟ ولقد فوجئت ذات مرة بواحد من هؤلاء يتحدث في إحدى الندوات عن مزايا الانقسام وفوائد الانقسام !!! وقلت له يومها ساخرا، لا تنفخ اوداجك هكذا يا عزيز فهناك قبلك من تحدث عن مزايا وفوائد الاحتلال الإسرائيلي.
حين نغادر السطح ونغوص في الأعماق، سوف نرى أعداء للمصالحة لا نتخيل وجودهم، نستغرب كيف أن هؤلاء من شعبنا ونسأل ما هو رهانهم الذي يراهنون عليه ؟
تفاؤلي الشديد بشأن المصالحة مصحوب بقدر لا بأس به من الخوف والحذر، بأن الانجازات التي تحققت على صعيد المصالحة في الوعي الجمعي، وخاصة بعد التصدي الجماعي لكسر العدوان الاخير، وانتزاع قرار الجمعية العامة من بين أشداق التحالف المعادي، والرسالة الخارقة التي انطلقت من مهرجان غزة الفتحاوي، هذه الانجازات والهدايا الثمينة تفرض الأن على مستويات متعددة للتفتيت، والتهميش، وإعادة بعث الأحقاد الصغيرة، وتحزبات الكراهية.
بل إن بعضهم يعض أصابه ندما، كيف حدث هذا المهرجان ؟ في أي نوع من عدم الانتباه وقع انتصار الجمعية العامة، ووحدة الوعي الجمعي لكسر إرادة العدوان ؟
و اعتقد أنه من المهم جدا هنا أن تظل الروح الفلسطينية القوية التي كشفت عنها انجازاتنا الأخيرة، هي الروح السائدة والعالية الهمة، حتى لا يتشجع اعداء المصالحة من جديد،! حتى لا يحتشدون مرة اخرى ضد الحلم الفلسطيني، حتى لا يستعينوا بأخلاقهم من الحقد والضغينة لكسر إرادة المصالحة .
Yhya_rabahpress@yahoo.com
Carlos_myr2011@hotmail.com