هذيان البعض الحمساوي- عدلي صادق
لا غضاضة في تعليل الاعتقالات الأخيرة، التي أقدمت عليها سلطات الاحتلال في الضفة، وطالت بعض النواب الفلسطينيين، وبعض منتسبي حركة «حماس»؛ باعتبارها استباقاً لعملية المصالحة بقصد إفشالها.
ولو كان التعليل قاصراً، فإن ذلك بسبب كون نوايا الاحتلال وممارساته أسوأ وأحقر.
فمن الطبيعي أن يفعل المحتلون كل شيء يؤذي الشعب الفلسطيني ويُضعف قواه السياسية، حتى وإن لم يكن لديهم سبب.
فهذه مقاصد معلومة ومشهودة، ولا تحتاج الى اكتشاف، بل هي تنسجم مع أحقادهم. لكن الغضاضة في تزويد التعليل، بملحقات لفظية، من تلك التي نام وقام عليها الحمساويون في غزة طويلاً، وظلوا يعلكونها حتى بعد أن سئمها الفلسطينيون، لأنها ـ ببساطة ـ فاقدة للدلالة وللحد الأدنى من عناصر الإقناع.
فـ «حماس» نفسها، في خارج غزة، لم تعد قادرة على أن تفتح هوامش للحركة السياسية بهكذا لغة متخلفة، تسد الطرق بين الشقيق والشقيق، بخاصة وأن «حماس» بدأت تتحرك رسمياً في الجوار العربي «المهذب»!
بعد برهة زمنية قصيرة من اعتقالات الاحتلال في الضفة، صدرت إشارة حمساوية عن «لا مبالاة السلطة في رام الله». ثم جرى «تدبيس» هذه «اللامبالاة» مع بطاقة «التنسيق الأمني».
وحيال كلام من هذا النوع، سيندم الشبان الصغار، من نشطاء الإنترنت، لأنهم امتنعوا عن المهاترات ولم يلوموا «حماس» على «اللا مبالاة» حيال الخرق الاحتلالي المتكرر لغزة وحدوث توغلات وإطلاق نار، وسقوط شهداء بين الحين والآخر. فاللوم للحمامسة عند هؤلاء الشُبان أوجب، لأن الطرف «اللامبالي» في غزة، لديه اتفاقية جديدة لكف الأذى، بينما اتفاقية السلطة مثقوبة وبالية. ثم إن السلطة في رام الله لا تزعم لنفسها قوة ردع ولا توازن رعب، ولا «فجر» لديها ولا زلزلة. فلماذا «اللامبالاة» مع كل هذا، حيال خروقات تكسر اتفاقاً أبلغ من التنسيق، ويكون الاعتداء فيها أكثر قبحاً؟ ثم أي تنسيق أمني هذا، الذي يأخذ مداه، لكي يُلقي الاحتلال القبض على نواب وشباب من أبنائنا، لا يفعلون شيئاً؟
قبل سنوات، كان المحفّز على رمي الناس بكل هذا الباطل الشائن، هو التغطية على ما حدث من وقائع القتل وإطلاق النار من النقطة صفر على مفاصل أطراف الشُبان من أبناء فلسطين، وتفجير الجهادية السلفية واقتراف الإعدامات الكافرة لشباب آخرين في «غزوات» ضد عائلات غزيّة. فلكي لا يُقال لبعض الحمامسة إنكم قتلة ومجرمون؛ كان لا بد أن يواظب هذا البعض على أغنية «التنسيق الأمني» و»دايتون» و»ملاحقة المقاومة». فالمقاومة ينبغي أن تقاوم الملاحقة. أما اليوم فالوضع مختلف. هناك مقترح جاهز للنفاذ، لإنجاز المصالحة المجتمعية، بل إن هناك أنباء عن ترضيات لذوي الضحايا، وثمة دول سوف تتبرع. نسأل الله أن تنجح هذه المصالحة، لكي لا يُلاحق سوى القتلة، بالقانون وبإنفاذ العدالة، ولا يُلاحق آخرون أبرياء من ذوي القتلة، لكي يصبح لنا في القصاص حياة إن كنا من ذوي الألباب!
* * *
نحن لا نطلب المستحيل من الناطقين الحمساويين في غزة، لأننا بتنا نعلم منسوب ثقافتهم. ما نطلبه خلائق نزجر أطفالنا إن كانوا لا يتمتعون بها أو إن أظهروا نقيضها، وهي الصدق والتروي وعدم افتراض الذمائم في الناس. كذلك فإننا لا نلوم ناطقاً حمساوياً يرسل كلاماً طريفاً، فيما هو ـ ربما ـ يظن أنه كان مبهراً، وأن الآخرين سيحسدونه على سرعة البديهة والفصاحة والبراعة. فالمشهد الفلسطيني مفتوح لكل اللقطات الكاركاتورية. قبل أيام، وبعد احتراق الأسرة (رحمها الله) في حي الشجاعية في مدينة غزة؛ قال ناطق إنه «لا يبيع الوطن بالكهرباء». ربما يكون تعمد أن يتأمل مرات ومرات، معجباً بنفسه، فيما العبارة تتكرر في مواقع العنكبوت. كأن هناك من جاء لمقايضته لكي يأخذ منه وطناً مقابل كهرباء. أو كأن الوطن كان يُباع، في أوقات جريان التيار الكهربائي في الخطوط. أو كأن الفصيح أو سواه، يمتلك الوطن لكي يبيعه. أو كأن المحتلين الذين يعربدون، يطرحون هذه المناقصة أصلاً أو مضطرون اليها.
لم يخرج واحد لكي يشرح بالأرقام في مواقع الشبكة، لماذا يتوقف التيار الكهربائي. ذلك لأن اللعب على مشاعر الناس في الأحزان، عيب ولا يليق، والمهاترات باتت قميئة ولا يستسيغها الفلسطينيون.
ايها الحمساويون: إن المصالحة واستعادة وحدة الكيانية، هي الأنسب لكم. ولكي تبلغوا محطتها الأخيرة، أقيموا لأنفسكم منصة محترمة، لإسماع الناس قولاً كريماً منطقياً مترافقاً مع ممارسات طيبة، تنم عن قرار الكف عن الأذى والتعدي. ودعوكم من الرغي الفارغ، فإنه لن يفيدكم. فإن كان العدو يريد بالاعتقالات إفشال المصالحة، فلماذا تفشلونها؟
لقد تفاءلت قبل أسبوع بأنكم فاعلون، لكن عودتكم للأحاديث السخيفة، كهذيان «بسبسة» وهي تكلم نفسها في أقاصيص الراحل كامل كيلاني؛ أعادني الى التشاؤم!
www.adlisadek.net