مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

مصر في قبضة «ديموقراطية» الأخوان المسلمين ... - هلا رشيد امون

لقد كان من حق الشعب المصري بعد إنجازه لثورته، أن يحلم بإرساء نظام حداثي نهضوي يحقق الإصلاحات التنموية التي تُخرج الوطن والمواطن من شرنقة الفقر والبؤس والجهل والفساد والقهر والظلم الاجتماعي والسياسي الذي عانى ويلاته لعقودٍ من الزمن. ولكن للأسف، لم يطل عمر هذا الحلم، حتى أدرك المصريون، بعد وصول جماعة «الإخوان المسلمين» إلى السلطة، أن هذه الجماعة تريد مصادرة ثورتهم وحرفها عن شعاراتها وأهدافها وإملاء إرادتها عليهم باسم النماذج الجاهزة والعقائد المغلقة، مما اضطر كل قوى المجتمع المدنية والحزبية إلى إعلان ثورتهم الثانية على النهج السياسي الإقصائي والاستفزازي لهذه الجماعة، ثورة أغرقت البلاد في حالة من العنف اللفظي والمادي، وأدّت إلى انهيارها اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وأكّدت أن المأزق السياسي العربي التاريخي سائر نحو المزيد من التعقيد والتأزيم.
لقد كشف «الإخوان» من خلال سعيهم المحموم للسيطرة على مفاصل الحكم ومواقع السلطة، بما في ذلك إعلانهم الحرب على القضاء والإعلام، أن جوهر مشروعهم السياسي يكمن في احتكارهم السلطة الدينية والزمنية، تمهيداً لفرض ايديولوجيا تستغل الرأسمال الإسلامي والموروث الثقافي، لإسباغ المشروعية عليها، ولتسويقها ـ بذريعة الأصالة والحفاظ على الهوية والخصوصية ـ بين أبناء الطبقة الفقيرة والمسحوقة، الذين تتم تعبئتهم وتجييشهم بخطاب عقائدي مهدوي خلاصي شعبوي، ادّعى، ولعقود طويلة، أنه قادر على معالجة كل أزماتهم، بعدما رفع شعاراً مغرياً وغامضاً وفضفاضاً: الإسلام هو الحل.
وإذا رجعنا إلى المنطلقات الفكرية التأسيسية لخطاب التنظيمات الإسلامية، والمستمدة في معظمها من الخطاب التكفيري للمودودي وسيد قطب، وجدناه يتكوّن من مجموعة من المقولات والمفاهيم التي قامت قوى الإسلام السياسي بعملية تأصيلها بالعودة إلى الينابيع والنصوص الدينية المقدسة، ومن ثم تأويلها وشحنها بمضامين معينة، وظّفتها في مصلحة مشروعها السياسي. ولعل أبرز هذه المفاهيم التي شكّلت المنظومة الفكرية لجماعة «الإخوان المسلمين» ـ الأم، التي خرجت من رحمها كل التنظيمات الإسلامية العنفية والجهادية، هي:
- مفهوم «الحاكمية الإلهية» التي تعني أن لا حكم إلا للّه، والتي تكفّر الدولة، عندما تقرر أن مصدر السلطان والتشريع هو اللّه وحده، لا الشعب ولا الحزب ولا أيٍّ من البشر. مما يعني أن كل الاجتهادات البشرية في مجال الاقتصاد والاجتماع والسياسة والقانون، هي خارج إطار الشرع والدين، وأن كل من يدّعي التشريع، فقد جعل نفسه ندّاً للّه.
- مفهوم «جاهلية المجتمعات» التي تكفّر الأمة، وتنفي عنها إسلامها، بحجة الرِّدة عن أصول الإسلام وأركانه، والعودة إلى شرك الجاهلية ووثنيتها. لذلك لا بد من تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة اللّه في الأرض، ويتمّ ذلك بانتـزاع السلطان من أيدي مغتصبيه من العباد، وردّه إلى اللّه وحده، وإلغاء القوانين البشرية وسيادة الشريعة الإلهية. فالجاهلية المدمِّرة التي يعيشها العالم اليوم، تستلزم «أسلمة الأمة» لأن الناس ليسوا مسلمين كما يدّعون. وعلى «الطليعة المؤمنة» التي تمثل الإسلام الصحيح، أن تقوم بردّ هؤلاء الجاهليين إلى الإسلام، لتجعل منهم مسلمين من جديد. ويحصل هذا بعد تقويض المجتمعات الجاهلية الحالية، وتحويلها إلى مجتمعات «مسلمة» تقوم على آصرة العقيدة وحدها، دون أواصر الجنس والأرض واللون واللغة والمصالح.
وقد كان مفهوما «الوطن» و«المواطنة» من ضحايا هذه الايديولوجيا التكفيرية، لأنه لو كان ثمة عدوّ لدعوة الإسلام، بعد الكفر والشرك، لكان شيطان الجنس والوطن؛ ولأنه خارج الجماعة المؤمنة، وبناء على مفهوم «المفاصلة» بين الناس على أساس الانتماء الديني، الناس ليسوا أخوة أو مواطنين، بل هم إما جهّال أو كفّار، تجب إدانتهم والقطيعة معهم والاستعلاء عليهم.
- أما مفهوم «الحرية» الذي يعني حق النقاش والقبول والرفض والتقرير والاختيار، فهو مجرد لغو وترف فكري، بل هو في حقيقته مفهوم غربي يستهدف تضليل الناس وخداعهم، كي يخضعوا لأهوائهم وشهواتهم. لذلك فهو يوضع دائماً في مقابل «العبودية للّه» التي تنصّ على الالتزام بما يأمر به اللّه، والتسليم المطلق بالنصوص الدينية، بعيداً عن أي إعمالٍ للعقل أو أي اجتهاد.
ولا شك في أن إيديولوجية التكفير والجاهلية والحاكمية هذه، التي حكمت بكفر الأمة والمجتمع والدولة، والتي تستبدل الهوية الدينية بالمواطنة، والإسلام بالعروبة والقومية، هي ايديولوجيا عاجزة عن بناء دولة مدنية عصرية، على أنقاض دولة الاستبداد والقهر والتسلط التي انتفض عليها المصريون، لأنها تقوم على ثنائيات مضادة تشطر العالم سياسياً إلى شطرين: «دار الإسلام» و«دار الحرب»، وتقسم الناس فكرياً وعقائدياً إلى قسمين: «حزب اللّه» واتباعه، الذي يمثّل محور الخير، و«محور الشيطان» وأتباعه الذي يمثّل محور الشر. فهناك صراع دائم بين الخير والشر، الحق والباطل، الإسلام والجاهلية، الإيمان والكفر، حاكمية اللّه وحاكمية الطواغيت، القانون الإلهي والقانون الوضعي، القلة المؤمنة والكثرة الكافرة... أما الترجمة الفعلية لهذه الثنائيات، عندما يصل أصحابها إلى سدّة الحكم، فهي تقديم أنفسهم على أنهم الفئة الوحيدة المعبِّرة عن الإسلام، والناطقة باسمه، فيما كل الآخرين المخالفين خارجون عن دائرة الإسلام الصحيح، وبالتالي يجب عدم الاعتراف بهم وتكفيرهم وتبديعهم والطعن في إيمانهم وإعلان الحرب عليهم والسعي بكل الوسائل الممكنة لاخضاعهم أو استئصالهم.
- أما مفهوم «الديموقراطية»، فهناك فريق من الحركات الإسلامية، اعتبر أن النظام الديموقراطي هو «نظام كفر»، كونه يستبدل إرادة اللّه وحكمه، بإرادة الشعب وحكمه. فما يسود المجتمعات هو: إما حكم اللّه، أو حكم الجاهلية، والديموقراطية من حيث إنها ليست حكم اللّه، فهي إذن في ميزان اللّه، جاهليةٌ. وهناك فريق آخر دعا إلى الاستفادة منها باعتبارها أداةً للحدّ من استبداد الأنظمة القائمة، عن طريق خوض الانتخابات التشريعية، تمهيداً للقبض على السلطة، دون الاضطرار إلى استخدام العنف. وقد تقبّل هذا الفريق بعضاً من قواعد النظام الديموقراطي، ولكنه خالفه في ما يخص تقييد الحاكم والمحكوم بالشريعة الإلهية في جميع الأحكام التي وردت فيها نصوص. يقول راشد الغنوشي في كتابه «الحريات العامة في الدولة الإسلامية»: «إن موطن الداء ليس في الأجهزة الديموقراطية: الانتخاب، البرلمان، الأغلبية، تعدد الأحزاب وحرية الصحافة، بقدر ما هو كامن في فلسفات الغرب السياسية، تلك التي فصلت بين الروح والجسد، ثم تجاهلت الروح ووأدتها، وحاربت اللّه، وجاهدت جهاداً كبيراً لإحلال الإنسان محله».
أي أن هذا الفريق يتعامل مع الديموقراطية تعاملاً انتقائياً وحذراً، كون هذا المفهوم هو نتاج الحضارة الغربية المادية التي تصطدم في جوهرها الفكري والفلسفي مع العقيدة الإسلامية. ولذلك يمكن الاستنتاج أن قبوله للديموقراطية لا يعدو كونه تكتيكاً براغماتياً يعتمد «فقه الضرورة» أو «فقه المرحلة» الذي يقوم على انتهاج الواقعية والمرونة السياسية، بدلاً من الطرح العقائدي الراديكالي الذي يهدف إلى أسلمة المجتمع والدولة، والذي دونه عقبات. وبواسطة هذه الديموقراطية وصناديق الاقتراع، وصل «الإخوان المسلمون» إلى السلطة في مصر، أي بالطريقة نفسها التي وصل بواسطتها الحزب النازي في ألمانيا، إلى الحكم، بعد الحرب العالمية الأولى.
وبما أن الديموقراطية بكل أشكالها هي ديموقراطية مقيّدة وغير مطلقة، ويجب أن يضبطها «الدستور» الذي هو المرجعية الشرعية للمجتمع والدولة ونظام الحكم، فقد سعى الإسلاميون بمجرد وصولهم إلى السلطة، إلى خوض معركة حامية لوضع دستور جديد لمصر ما بعد الثورة، ذي خلفية إيديولوجية إسلامية، تحافظ على الخصوصية الفكرية لمشروعهم السياسي القائم على الخلط والمزاوجة بين الديني والسياسي، السماوي والأرضي، الإلهي والبشري، الثابت والمتحوّل، من دون الاكتراث بالتضحية بالدين لمصلحة السياسة. ولا جدال في أن إقحام الدين في ساحة النـزاعات السياسية يؤدي إلى تحويل الدين إلى عقيدة حزبية تتضمن الكثير من الانتهازية والوصولية، ويحول العمل السياسي إلى ممارسة تحتكرها عصبةٌ من الناس تسعى إلى اختـزال الدين بنفسها، وتفصيله حسب أهوائها السياسية، ولهذا تقوم بإضفاء الإيمان والعصمة والقداسة على نفسها، في الوقت الذي تتهم معارضيها بالكفر والردّة والفساد. والنتيجة الحتمية لتلويث الديني بالسياسي، هي تمزيق الدين، بعد أن يصير أداة للصراع على النفوذ والسلطة، وتمزيق وحدة الأمة، بعد أن يتحول أي خلاف في السياسة، إلى خلاف في الثوابت العقدية والأخلاقية.
ولأن الدولة ليست فكرة عقائدية، بل هي إطار منظِّم للخلافات، ومؤسسة وظيفتها الأساسية تأمين مصالح الأفراد، فقد أثبتت تجربة «الإخوان المسلمين» في السلطة والحكم، أنهم فاشلون في مواجهة تحديات التخلّف الاقتصادي والاجتماعي، وأزمات الفقر والأمية والبطالة؛ وأن جُلّ ما يمكنهم فعله هو استبدال الاستبداد السياسي بالاستبداد الديني، أي تأسيس حكم فاشي باسم حماية الدين والمقدس؛ وأنّ لا شيء متجذّراً في ثقافتنا العربية أكثر من عقلية الاستبداد؛ والأهم من ذلك، أنّ منْ شبَّ وتربّى على تراثٍ فكري وعقيدةٍ ينضحان بقيم التقويض والهدم والتكفير والتجهيل والصراع المستدام والحصرية الدينية والاستعلاء الديني على الآخر ـ المسلم وغير المسلم ـ لأنه ناقصٌ في دينه وإيمانه، وبغضّ النظر عن المراجعات الفكرية التي قام بها، يستحيل عليه أن يبني دولةً أساس الحكم فيها هو العدل والمساواة بين المواطنين على اختلاف عقائدهم وانتماءاتهم، واحترام الحقوق والمحافظة على الكرامة الإنسانية، وضمان الحريات المدنية والفردية، وقبول التعدد الديني الذي يُناقض ادّعاء أيّ فئةٍ احتكارها الطريق إلى اللّه.
عن صحيفة السفير اللبنانية
za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024