حلاوة الكلام وفظاعة الفعل! - د.صبري صيدم
وضع المنتدى الاقتصادي العالمي أوزاره قبل يومين باعتباره حرباً سياسيةً بامتياز تتنافس فيها الأفكار والمواقف وتحتدم فيها المبادرات التي تسعى لمحاكاة المفاهيم التي يطرحها الزوار.
الكلام المقال معسول للغاية لدرجة أن المتابع للأمور يشعر أحياناً وكأن عالمنا بخير وأن جميع الحاضرين من أركان السياسة والمال ومهما ارتفع صوت أحاديثهم ونقاشاتهم هم على وفاق تام حول المفاهيم الإنسانية في الحق في الحياة والكرامة.
لذلك يشكل المنتدى بالإضافة لكونه فرصة للعلاقات العامة جولة مكثفة من الشعارات والخطب الرنانة التي تشبع جمهوراً هنا وجمهوراً هناك.
وعليه ومن منطلق المحاولة بادر بعض رجال الأعمال إلى الإعلان عن مبادرة أسموها كسر الجمود بين مجموعة من الاقتصاديين الفلسطينيين ونظرائهم الإسرائيليين ليتبع ذلك لقاءات لبعض شركات التكنولوجيا الفلسطينية مع شركات إسرائيلية في تل أبيب اليوم في مؤتمر يحمل عنوان "الأعمال من دون حواجز"!
والرسالة الأهم للمشاركين الفلسطينيين ممن ينخرطون في هذا الجهد بأنه من المهم أن يفكروا ملياً بطريقة توظيف تلك اللقاءات إعلامياً ومدى استفادة إسرائيل منها في تجميل صورتها وإعطاء الانطباع بالانفتاح بينما تمارس بحق الأرض والأهل أبشع التصرفات. فبعض نظرائكم هم ممن شجعوا الفكر الصهيوني واتسع نطاق مشروعاتهم ليخدم المشروع الاستيطاني بامتياز وممن ساهموا في استدامة الاحتلال.
أعلم تماماً حجة البعض بضرورة العمل مع كل من يؤمن بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة وعاصمتها القدس وتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني وطموحاته وتوظيفه لخدمة هذا الغرض لكن المطلوب ممن يطلقون الشعارات والكلام المعسول من الإسرائيليين أن ينفذوا شعاراتهم لا أن يقولوا ما لا يفعلون.
فملك "الكلام مقابل السلام" شمعون بيريس مثلاً لا يوفر منصة إلا ويحاول استغلالها لتلميع ذاته حتى يبدو وأنه من حلف الحمائم لكن تجاربه لا تقول إلا أنه من قلب الصقور. وبعض زملائه المدعيّن بضرورة إنعاش السلام هم من يوسعون مشروعاتهم في المستوطنات الإسرائيلية ويقتلون حغرافيا فلسطين. هؤلاء مدعوون للإجابة على سؤال واحد: هل يا ترى هم جاهزون لوقف توسعهم التجاري في الأراضي المغتصبة مقابل إقناعنا بأنهم ملتزمون بوقف المزيد من الاعتداءات علينا؟.
لقد تعاملنا في السابق مع العديد من الشركات العالمية العملاقة والتي أصرت على المرور عبر وكلائها في الداخل وقد كان الإصرار الدائم على أن هذا الأمر هو الاستثناء لا القاعدة وأنه يجب أن يتبدل وأن نقاشاتنا الحامية الوطيس مع ممثلي الشركات والتي تمحورت في مضمونها على الحقوق الفلسطينية أتت دائماً في صلب تجنب إعطاء الانطباع وكأن استمرار الاحتلال ومعاناتنا من ورائه ليسا موجودين. لكن ومع الإصرار على طريق الإيحاء بالتعاون أو محاولة تحريف الواقع ببعض المواد الدعائية المحرّفة انتهت الأمور عند هذا الحد.
فتغيير الواقع الاقتصادي للفلسطينيين أمر مهم لكن إنهاء الاحتلال هو الأمر الرئيس والأولوية الأولى. فلا انتعاش ولا تطبيع ولا كرامة مع استمرار الاحتلال.
إن حلاوة الكلام لبعض الإسرائيليين من أرباب السياسة والمال ممن تأخذهم الحمية في لقاءات تزدحم فيها عدسات الكاميرا للتصريح بضرورة إعادة حقوقنا هم نفسهم من يعودوا إلى دولة الاحتلال التي تقابل كلامهم الرنان بأفظع الأعمال من اعتداء وتنكيل بحق الفلسطينيين فهل هذا تبادل للأدوار؟ أم إطالة لعمر الاحتلال عبر المناورة وإضاعة الوقت؟ أمام استسلام للعاجز أمام صلافة جيشه؟ أم سلام اقتصادي بسبل متنوعة؟ .. لننتبه جميعاً!
s.saidam@gmail