جنين:"حرس قديم" وسوق جديد
سوق جنين وفي الاطار الحاج عطا محمود أبو لبدة
جنين- ألف - ك عبد الباسط خلف: يمتلك عطا محمود أبو لبدة حكاية طويلة مع البيع والشراء في سوق جنين وغيرها، وقد كان تاجرًا في بلدته صبارين قبل نكبة العام 1948، يومها عمل في مهنة "المشمر" وهي بيع الحبوب والحنطة: "بدأتُ العمل بالتجارة وأنا أبن 14 سنة، في حيفا وصبارين وعارة ثم هاجرنا إلى جنين، وبقيتُ اعمل في تجارة المواد التموينية".
وتقدر الأوراق الثبوتية عمر الحاج عطا بـ90 سنة، لكن والدته كانت تقول له في طفولته أنه ولد في "حصيدة الشعير سنة 1916."
درس أبو عدنان إلى الصف الثالث، وظل يجلس منذ ستين سنة في متجره بمدينة جنين. وتعامل خلال تجارته بثلاث عملات: الجنيه الفلسطيني، والدينار الأردني والشيقل الإسرائيلي، عدا عن الدولار واليورو.
يقارن بين أسواق أيام زمان واليوم: "قديمًا لم تكن السلع مغلفة أو مصنوعة من مواد كيماوية، وكنا نبيع الكثير من المواد بالمفرقة مثل السمن والطحينة والدبس الذي اختفى. ولا يستخدم الهواتف النقالة، ولا يحب الشيكات، ولا يأكل المعلبات ولا يتعاطى السجائر ولا يشرب الكولا". ويعتبر الفارق الكبير بين أيام زمان واليوم الآمان والطيبة والبساطة في التعامل.
أما في قلب سوق السيباط القديم، فلا يزال الحاج محمد صالح الحثناوي، يصمد في حانوته منذ العام 1950، بعد سنتين من هجرته لبلدته زرعين.
يتعامل أبو بشار في تجارة العطورات والبهارات والمواد التموينية والسلع الآخذة بالانقراض مثل: وابور الكاز والقفف الجلدية وغيرها.
أبصر الحاج محمد النور في العام 1930، وشب على التجارة، ويعادي السجائر، ولا يستخدم التقنيات الحديثة، وينحاز للمواد الطبيعية في غذائه.
له أربعة أبناء، ثلاثة يعملون في التجارة، ورابع مهندس. ولا يكف عن المقارنة بين أيام زمان واليوم، ويسكنه الحنين إلى الماضي، وصار عنوانا للزبائن المتقدمين في السن والأجيال الجديدة، الكبار يشترون سلعا منه ويتحدثون عن أيام زمان على الهامش، أما الصغار فيسمعون لأحاديث أبي بشار ووصفاته.
وللحاج محمد يوسف البلعاوي حكاية طويلة مع الساعات، فهو الذي تعلم المهنة نقلاً عن والدة، وأتقنها منذ العام 1964، حين كان في الصف الخامس الابتدائي.
كان البلعاوي يطمح في إكمال دراسته الجامعية، غير أن الفقر جعله يغير قراره، وبقي منذ ذلك اليوم يجالس الساعات التي عفا عليها الزمن، يصلحها، ويضبط وقتها، ويسوقها قبل أن تغزو الأسواق البضائع الصينية الرخيصة، التي أخفت 85 في المائة من مهنة الساعاتي التقليدية: "الناس لا يُصلّحون الساعات الثمينة التي تتوقف عن الدوران، ويشترون ساعات رخيصة، لا تستحق الصيانة، لان الإفلاس فعل فعله بمعظمهم".
نقل البلعاوي مهنته إلى ولديه صلاح ونور، لكنه يقول أن الأعراض الجانبية للمهنة التي قد تنقرض يوماً كثيرة، فأمراض ضعف البصر، والديسك، وأوجاع الظهر غير قليلة.
المتغير في السوق وعناصره منذ الستينيات إلى اليوم، يتمثل وفق البلعاوي بضيق ذات اليد للناس، واختفاء الساعات التي تعتمد على التعبئة، وإغراق السوق بالبضائع الصينية الرديئة.
أما الحاج عطية القرعاوي فلا يعرف سنة ميلاده بالتحديد، لكن تقديرات تقول أنه جاء إلى الدنيا العام 1930، في قرية أم الشوف القريبة من حيفا. عمل في الزراعة وتربية المواشي قبل النكبة، وانتقل لجنين ليكون أحد أقدم الجزارين فيها: "كنا 12 لحّاماً، نذبح القليل من العجول، ولم تكن هناك ثلاجات لحفظ ما يتبقى من لحوم، إلى أن بدأنا نستخدم براداً نضع فيه قوالب ثلج. ويعتقد أن الذي تغير في وسق اللحامين منذ الستينيات وقبلها إلى اليوم، كان في السعر(الكيلو بثلاثين قرشاً) وحجم الاستهلاك (مرة في الأسبوع أو في الشهر لكل بيت)، أما الطعم والمواصفات فلم تتغير. ويظن الناس في هذه الأيام يعتقدون أن اللحمة زمان أطيب، أما الحقيقة فلأنها كانت شبه معدومة، ولا يتذوقونها إلا قليلاً، بسبب الفقر.
ابتاع القرعاوي نظام حفظ اللحوم بثلاجات التبريد الكبيرة، ثم اختلف تفاصيل السوق كلياً. يتذكر: كنا نشتري البرتقالة بالحبة من بيارات جنين، وكانت المدينة كلها بساتين ونخيل ومياه، أما اليوم تضج بالباطون والعمارات.
ورّث عطية خمسة من أولاده العمل في اللحمة وتجهيزاتها، أما السادس فيقف في مطعمه الجديد، ويستمع لذكريات والده العتيقة.
وتقدر الأوراق الثبوتية عمر الحاج عطا بـ90 سنة، لكن والدته كانت تقول له في طفولته أنه ولد في "حصيدة الشعير سنة 1916."
درس أبو عدنان إلى الصف الثالث، وظل يجلس منذ ستين سنة في متجره بمدينة جنين. وتعامل خلال تجارته بثلاث عملات: الجنيه الفلسطيني، والدينار الأردني والشيقل الإسرائيلي، عدا عن الدولار واليورو.
يقارن بين أسواق أيام زمان واليوم: "قديمًا لم تكن السلع مغلفة أو مصنوعة من مواد كيماوية، وكنا نبيع الكثير من المواد بالمفرقة مثل السمن والطحينة والدبس الذي اختفى. ولا يستخدم الهواتف النقالة، ولا يحب الشيكات، ولا يأكل المعلبات ولا يتعاطى السجائر ولا يشرب الكولا". ويعتبر الفارق الكبير بين أيام زمان واليوم الآمان والطيبة والبساطة في التعامل.
أما في قلب سوق السيباط القديم، فلا يزال الحاج محمد صالح الحثناوي، يصمد في حانوته منذ العام 1950، بعد سنتين من هجرته لبلدته زرعين.
يتعامل أبو بشار في تجارة العطورات والبهارات والمواد التموينية والسلع الآخذة بالانقراض مثل: وابور الكاز والقفف الجلدية وغيرها.
أبصر الحاج محمد النور في العام 1930، وشب على التجارة، ويعادي السجائر، ولا يستخدم التقنيات الحديثة، وينحاز للمواد الطبيعية في غذائه.
له أربعة أبناء، ثلاثة يعملون في التجارة، ورابع مهندس. ولا يكف عن المقارنة بين أيام زمان واليوم، ويسكنه الحنين إلى الماضي، وصار عنوانا للزبائن المتقدمين في السن والأجيال الجديدة، الكبار يشترون سلعا منه ويتحدثون عن أيام زمان على الهامش، أما الصغار فيسمعون لأحاديث أبي بشار ووصفاته.
وللحاج محمد يوسف البلعاوي حكاية طويلة مع الساعات، فهو الذي تعلم المهنة نقلاً عن والدة، وأتقنها منذ العام 1964، حين كان في الصف الخامس الابتدائي.
كان البلعاوي يطمح في إكمال دراسته الجامعية، غير أن الفقر جعله يغير قراره، وبقي منذ ذلك اليوم يجالس الساعات التي عفا عليها الزمن، يصلحها، ويضبط وقتها، ويسوقها قبل أن تغزو الأسواق البضائع الصينية الرخيصة، التي أخفت 85 في المائة من مهنة الساعاتي التقليدية: "الناس لا يُصلّحون الساعات الثمينة التي تتوقف عن الدوران، ويشترون ساعات رخيصة، لا تستحق الصيانة، لان الإفلاس فعل فعله بمعظمهم".
نقل البلعاوي مهنته إلى ولديه صلاح ونور، لكنه يقول أن الأعراض الجانبية للمهنة التي قد تنقرض يوماً كثيرة، فأمراض ضعف البصر، والديسك، وأوجاع الظهر غير قليلة.
المتغير في السوق وعناصره منذ الستينيات إلى اليوم، يتمثل وفق البلعاوي بضيق ذات اليد للناس، واختفاء الساعات التي تعتمد على التعبئة، وإغراق السوق بالبضائع الصينية الرديئة.
أما الحاج عطية القرعاوي فلا يعرف سنة ميلاده بالتحديد، لكن تقديرات تقول أنه جاء إلى الدنيا العام 1930، في قرية أم الشوف القريبة من حيفا. عمل في الزراعة وتربية المواشي قبل النكبة، وانتقل لجنين ليكون أحد أقدم الجزارين فيها: "كنا 12 لحّاماً، نذبح القليل من العجول، ولم تكن هناك ثلاجات لحفظ ما يتبقى من لحوم، إلى أن بدأنا نستخدم براداً نضع فيه قوالب ثلج. ويعتقد أن الذي تغير في وسق اللحامين منذ الستينيات وقبلها إلى اليوم، كان في السعر(الكيلو بثلاثين قرشاً) وحجم الاستهلاك (مرة في الأسبوع أو في الشهر لكل بيت)، أما الطعم والمواصفات فلم تتغير. ويظن الناس في هذه الأيام يعتقدون أن اللحمة زمان أطيب، أما الحقيقة فلأنها كانت شبه معدومة، ولا يتذوقونها إلا قليلاً، بسبب الفقر.
ابتاع القرعاوي نظام حفظ اللحوم بثلاجات التبريد الكبيرة، ثم اختلف تفاصيل السوق كلياً. يتذكر: كنا نشتري البرتقالة بالحبة من بيارات جنين، وكانت المدينة كلها بساتين ونخيل ومياه، أما اليوم تضج بالباطون والعمارات.
ورّث عطية خمسة من أولاده العمل في اللحمة وتجهيزاتها، أما السادس فيقف في مطعمه الجديد، ويستمع لذكريات والده العتيقة.