مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

"حُرّاس" يُراقبون سماء أريحا وشِباكها!

جانب من حياة فلسطين البرية وتحجيل طيورها

القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
جانب من 'حياة فلسطين البرية' وتحجيل طيورها
يُسابق باحثون ومتدربون فلسطينيون وأجانب بزوغ شمس مدينة القمر، فيهرعون إلى شباك نصبوها شرق أريحا الأخفض في العالم كله، يفتشون عن صيد ثمين، لا يذهب للمسلخ أو الموائد، وإنما لخيمة دراسية أقامها مركز التعليم البيئي، في أراضي المشروع الإنشائي العربي الممتدة على مد النظر.

يتحلق خمسة شبان من بيت لحم وفرنسا، وعالم طيور بولندي يقترب من الوصول إلى عقده الثامن، ومختصة بولندية في عقدها الرابع، حول مكتب أصفر اللون، ويشرعون في تفحص طائر  الوروار الاخضر الصغير، الذي وقع في شباكهم، فيسجل الباحث في 'التعليم البيئي' مهد خير وزن 'الصيد' الثمين، وطول أجنحته، ونسبة الدهون في جسده، ويحدد نوعه، ووزنه، قبل أن يضعه قليلاً في كيس قماش، ثم سرعان ما يجتمع البروفيسور البولندي بوسيه، والمتدربان محمد حسن وداود سليمان، والفرنسي جون، والبولندية د. إيزابيلا لدراسة كل المعلومات التي جمعوها عنه، وترحيلها إلى سجل خاص، ثم يلتقطون له الصور الفوتوغرافية، وقبل إعادة تحريره، يضعون حلقة دائرية مكتوب عليها اسم  'حياة فلسطين البرية' على رجله اليسرى.

ويبرح الستة في المكان المُحاط ببعض أشجار النخيل دانية القطوف، والشجيرات الصحرواية الخضراء، فيما تسير شرايين متواضعة من المياه في أحشاء الوادي الملاصق لخيمتهم، ويتناثر من حولهم الغبار الأبيض.

يقول البروفيسور الذي تكسو وجهه لحية شقراء، ويقف على رأس منظمة SEEN   المختصة بمراقبة الطيور في القارة الأوروبية: نعمل على فترتين منذ منتصف أيلول، وسنستمر حتى 22 من تشرين الأول، ولا شيء يوقف مسيرتنا البحثية في ثاني محطة لمراقبة الطيور وتحجيلها لمركز التعليم البيئي، وتفوقنا على موجات الحر، ولا تحول رمال الصحراء دون مواصلتنا لعملنا على فترتين: صباحية تبدأ قبل اشتداد الحرارة، ومسائية تسبق هبوط الظلام.

يتابع بوسيه، الذي أمضي نحو خمسة قرون، متنقلاً في ملاحقة التنوع الحيوي في 22 دولة حول العالم: فلسطين مهمة بالنسبة للطيور، سواء في الهجرة الخريفية والربيعة، وهي تتفوق  في ما تحتويه على بولندا، التي تضم نحو 450 منها.

ويعطي العالم الكهل، التعليمات لفريقه البحثي المتناغم، ويطلب منهم توزيع أنظارهم على الشباك تارة، واستعمال المنظاير تارة أخرى، والمراقبة عبر التلسكوب، وعد الأسراب، وتحرير الطيور العالقة.

وتبدو الخيمة كمختبر بحثي متنقل يقتحمه الغبار الأبيض، أو 'غرفة عمليات' تغري أسراب الذباب لغزوها، وفيها تتناثر أدوات التحجيل القماشية والبلاستيكية، وأوتاد نصب الشباك، ومسطرة خاصة لقياس ذيل الطيور وأجنحتها، وميزان دقيق، و'ذخيرة' من الحلقات المعدنية المدموغة باسم فلسطين، وحاسوب محمول، ومناظير وتلسكوب صغير، وسجل، ومستلزمات أخرى.

وبخلاف السن المتقدم لبوسيه، فإنه يتفاخر بشباب القلب، ويوزع التشجيع على طاقم الفريق. يقول المتدرب محمد حسن، خريج علم الأمراض والبيئة: إنها فرصة ممتازة لمتابعة عالم الطيور، ورصد أبرز ما يميزها، ومراقبتها، وكل شيء هنا يثير الدهشة، ويكفي أن نشير  فقط إلى صيدنا لحيوان خفاش الفواكه المصري، حيث كانت المرة الأولى التي نشاهده فيها، والغريب أنه ليس بطائر، وإنما حيوان من الثديات، يتكاثر بالولادة!

يحتمى الباحث مهد خير بقبعته من شمس أريحا، ويمسك بيديه أكياس قماش محكمة الإغلاق وبعدة ألوان فاتحة، ويقول: استطعنا إلى الآن أن نسجل 50 نوعاً من الطيور، دوري البحر الميت، وبومة الاشجار الاوروبية، والدوري الاسباني، ووروار أخضر صغير، والطيطوي، والجهلول، والعروسة، ويمام طويل الذنب، وهازجة الحديقة ، وهازجة السعد، والعندليب، والبلبل، ونقار الخشب، وغيرها، التي تنتمي إلى الكثير من العائلات.

وبحسب خير، فإنه ورفاقه، رصدوا نحو 12 رتبة من الطيور من أصل 23 رتبة تؤلف بمجموعها طيور فلسطين التاريخية، وعددها 530 طائراً، ويتوقع أن يواصلوا المزيد في الأيام القادمة.

ولا يختلف حال المتدرب داود سليمان، وهو خريج علم الأحياء من جامعة القدس، مع سابقيه بشأن المعلومات الجديدة التي عرفوها، ودراستهم لكتب ومراجع أجنبية ومحلية،  لكنه يقول إن النظرة الخاطئة للبيئة في مجتمعنا، والصيد والرعي الجائر، يجب أن تتغير؛ لأن مواصلة العبث بتوازن بيئتنا وتدمير موائل الطيور المختلفة، والأفراط في الكيماويات يهدد بكارثة.

ومنذ أسابيع بدأ طلبة مدارس، وأعضاء بعثات أوروبية، ونشطاء  فعاليات الأسبوع الوطني الثاني لمراقبة الطيور، التي أطلقها 'التعليم البيئي' وجودة البيئة، وصار ينقل عملياً مفهوم مراقبة الطيور وتحجيلها لمئات الطلبة في مدارس بيت لحم وجاراتها اللصيقة: بيت جالا وبيت ساحور.

ووفق المنظمون للأسبوع، فإن إعلان الأسبوع جاء استكمالاً لما أعلنه مطران الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، منيب يونان، والوزير السابق يوسف أبو صفية، خلال المؤتمر الثالث للتوعية والتعليم البيئي والذي عقد نهاية الشتاء الماضي بتنظيم من المركز، عن إطلاق مواسم مراقبة الطيور كتقليد سنوي.

يقول المدير التنفيذي لـ'التعليم البيئي' سيمون عوض إن دلالات هذا 'الحراك'، تهدف إلى رفع مستوى الوعي البيئي بالطيور وأهميتها، وتلفت أنظار المواطنين ودول العالم إلى فلسطين، وتنوعها الحيوي المميز، وتجذب انتباه العالم إلى تراثنا المسلوب.

يتابع عوض، وهو يمسك بيده طائراً زائراً: ساهم هذا الأسبوع في تطوير الوعي البيئي، والتعريف بالتنوع الحيوي، الذي احتضن تاريخيا 530 نوعاً من الطيور المختلفة، فيما  يزيد عدد الطيور في الضفة الغربية وقطاع غزة حالياً عن 347 نوعاً.

ويرى عوض أن أسبوع مراقبة الطيور الثاني في محافظاتي بيت لحم وأريحا، منح عشرات الطلبة والمواطنين والزوار الأجانب، فرصة لدراسة الطيور عن كثب، ومراقبتها، والتعرف على عالمها، وتصنيفها وموائلها وتسمياتها العلمية، وأسمائها الشائعة والمتداولة، وطرق تكاثرها. وشاهدوا عن قرب ما تفعله انتهاكات الاحتلال من تدمير لبيئاتها وموائلها، وتنبهوا إلى خطورة الصيد الجائر.

ويتابع: تتميز فلسطين بمكانة هامة كونها بوابة للطيور العابرة والمهاجرة من القارة الأوروبية الباردة والمتوجهة جنوباً إلى إفريقيا بحثاً عن الدفء وإلى أقاصي آسيا، ما جعل فلسطين موئلاً هاماً للعديد من الطيور التي استقرت فيها أو اتخذتها ممراً لهجراتها كل عام.

ويطمح عوض أن يتمكن مركزه بالتنسيق مع سلطة جودة البيئة من الإعلان عن  عصفور الشمس الفلسطيني كطائر وطني لفلسطين.  يقول: كما تفتخر الدول برموزها الوطنية المختلفة مثل العلم والحدود، فإنها تفتخر بالزهرة الوطنية والطائر الوطني كرمز من رموز السيادة.

فيما أعاد حراك أسبوع مراقبة الطيور بنسخته الثانية الطفولة إلى عوض المولود في شباط سنة 1967، في بلدة بيت حنينا المجاورة للقدس. يقول: كنت أمضي وقتاً طويلاً في مراقبة البيئة المحيطة بالبلدة، فتعرفت إلى بعض ما في  الجبال والوديان القريبة من خبايا، وما تكتنزه من تنوع حيوي ونباتي فريد. وما زلت أتذكر إلى اليوم، الرحلات المدرسية التي شاركت  فيها وتلاميذ مدرسة الكاثوليك، وجعلتني ألتصق بالطبيعة وأهتم بها، وتعرفت إلى الغزلان وطيور الحجل والبلبل وعصفور الشمس الفلسطيني وغيرها. وواصلت الاهتمام بالبيئة، واشتركت في دورات متقدمة في عالم الطيور، جرت في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وبولندا، وشاركت في كثير من المؤتمرات الدولية المتخصصة.

حصل عوض على شهادة دولية أهلته لأن يكون أول عربي يحوز شهادة علمية في تصنيف الطيور المغرّدة. والشهادة هي ميدانية علمية تعتمد على قدرة حاملها لأن يتعامل مع تصنيفها وتحجيلها، والقدرة على الإمساك بها من خلال الشباك، بدون تعريض سلامتها لأي أذى، فضلا عن متابعة حياتها على نحو متواصل، والتأكد من المعلومات العلمية المتصلة بها.

يتابع: أهلتني الشهادة لإطلاق محطة لتحجيل الطيور في مدينة بيت جالا، العام 2000، وكنا من أوائل الدول العربية التي بدأت في هذا المجال. وأيضاً ساهمنا في افتتاح محطة مماثلة في مدينة الزرقاء الأردنية.

يواصل: لن تنتهي أعمال  تحجيل الطيور ومراقبتها، رغم انقضاء الأسبوع، فهي محطة مفتوحة للزائرين والباحثين وتلاميذ المدارس، ويتجاوز عدد هؤلاء سنويًا  4000. كما أصدرت عام 2004 كتاباً عن طيور فلسطين وتصنيفاتها، ونسخته الثانية عام 2009.  وأسعى للوصول إلى رقم علمي ودقيق لعددها، مع أن بعض الأرقام تشير إلى وجود أكثر من 500 نوع منها.

ووفق عوض،  فإن محطة طاليتا قومي تستقبل  وتحجل آلاف الطيور سنويا، وهي الأولى من نوعها في العالم العربي. وتقع على أحد أهم خطوط هجرة الطيور الرئيسة، بعد الدراسات العلمية التي قام بها المركز خلال السنوات الماضية.

ويعتبر 'التعليم البيئي' الشريك العربي الأول في منظمة الطيور الأوروبية 'SEEN'، ويمثل فلسطين في مؤتمراتها السنوية. وسبق أن سجل طيوراً نادرة أخرى، مثل 'خاطف الذباب' أحمر الصدر، الذي النادر جدًا والذي يعبر بلادنا خلال الهجرة الخريفية، وهازجة النهر النادرة جدا والتي تمر خلال الهجرة الربيعية.

يتابع: تحتضن فلسطين خمس مجموعات أولها المقيمة (المستوطنة)، فالزائرة الصيفية، والمهاجرة، والزائرة الشتوية، والمشردة، لكن الواجب  يحتم أن نبدأ جميعًا، قبل أي خطوة بحملة للتعريف بالتنوع الفريد لفلسطين: طيورها ونباتها أيضاً، ثم ننطلق لصيانة النظم البيئية والمحافظة عليها من التخريب. والاعتناء بموائل الطيور والمحافظة عليها. بجوار حماية الأنواع المهددة بالانقراض منها، ومحاربة الصيد الجائر الذي تتعرض له، وحظر الاتجار بالحيوانات البرية، وإنشاء قاعدة معلومات ثرية لتوثيق الطيور: مساراتها، وخطوط هجرتها، وأماكن تفريخها، وكل ما يتصل بها.

ينهي عوض: تنقصنا أيضاً استراتيجية وطنية خاصة بحماية التنوع الحيوي، والإعلان عن المنطقة المهددة بالانقراض وصون المناطق المهمة للطيور، وسن تشريعات وتفعيل القوانين السارية لغرض حماية التنوع الحيوي. عدا عن الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة، وتبادل الخبرات على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.

وما يثير دهشة الباحثين والزائرين لمحطة 'التعليم البيئي' في أريحا، ما تردده إحصاءات أممية تقول: إن 500 مليون طائر تقريبا تعبر فلسطين في الربيع والخريف.

تقول مرام ادعيس (12 عاماً): مراقبة الطيور وتحجيلها، والإمساك بها ثم إطلاقها للحرية عملية ممتعة، وتعلمنا الكثير. ويعبر أستاذها سامي جرايسه، عن سعادته بما سمعه وشاهده من مفاهيم، وبخاصة أن طائراً حمل اسم فلسطين بحلقة معدنية، وصل بولندا، قبل عدة سنوات.

ما أن يعلن الليل عن سواده، إلا ويجمع 'المهندسون' الستة سجلاتهم، ويذهبون مع حصادهم من أرقام ومعطيات وصور، بعيداً عن 'غرفة عملياتهم'، وأمل العودة  مجدداً حين يتبين الخيط الأبيض من الأسود!

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024