بيت صفافا.. معالم في الذاكرة... "هاتوا الجريدة تنقراها شوفوا بلدنا مين تولاها"
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
أسامة العيسة- لا يستطيع مصطفى عثمان، المؤرخ المحلي لقرية بيت صفافا، الواقعة على مشارف القدس، وصف حبه وانتمائه لقريته، التي كانت شاهدة على كثير من المنعطفات السياسية في منطقتنا، خصوصا بعد عام 1948، عندما تم تقسيم القرية إلى قسمين، جزء أصبح تحت السيطرة الإسرائيلية، واخر تحت السيطرة الأردنية، ولعل السياج الذي قسّم القرية، هو أول شكل للجدار الاستيطاني الذي يقطع أوصال الأراضي الفلسطينية في ايامنا.
يقول عثمان: "حسب اتفاقية رودس عام 1948، انقسمت بيت صفافا إلى قسمين، وأصبح الشريط الحدودي يفصل بين أهالي القرية، فترى الأب في القسم الإسرائيلي، وابنه في القسم الأردني، وكانت الأعراس والمآتم، تقام على جانبي السياج. كانت النساء تعبر عن مأساة القرية بالغناء:
هاتوا الجريدة تنقراها شوفوا بلدنا مين تولاها
يّما بلدنا انقسمت قسمين
قسم اردني وقسم اسرائيلي".
مفتاح القدس
وتخصص عثمان في تاريخ قريته، فاصدر عام 2000م، كتابا عن شهداء بيت صفافا، وبعد صدوره تم بناء النصب التذكاري لشهداء القرية، وأصدر عام 2005 كتابا ارخ فيه لقريته، حاول فيه جمع ما يسميه: "شتات تاريخ القرية الناصع، ووثقته ليكون مرجعا لكل باحث".
وأصر عثمان، وهو على أعتاب السبعين، كما يقول، على اكمال المسيرة التي بدأها فأصدر دليلا لمعالم القرية، الذي طُبع على نفقة جمعية سيدات بيت صفافا الخيرية.
يقول عثمان: "ما جعلني استعجل في اصدار كتابي الجديد، تلك الهجمة الشرسة على قريتنا الحبيبة ومخططات التهويد لمدينة القدس، وخاصة مشروع شق شارع 4 الذي يهدف إلى ربط المستوطنات المحيطة بالقدس بعضها ببعض على حساب اراضينا وحقوقنا وترابنا وتواصلنا الاجتماعي والعائلي، وربما تطال الأيدي الخبيثة بعض معالمنا التي هي علامة وجودنا".
وتقع بيت صفافا، في الضاحية الجنوبية الغربية من مدينة القدس، على ربوة تطل على المدينة المقدسة، ويقول عثمان عن قريته: "تعد مفتاحا من مفاتيح القدس، وهي حلقة الوصل بينها وبين مدينتي بيت لحم، والخليل".
هناك عدة اجتهادات في تفسير اسم القرية، إلا ان اكثرها قربا من الأهالي، ما رواه الاجداد، كما ينقل عثمان عنهم: "ذكروا ان أحد اباطرة الروم، كانت له ابنة وحيدة اسمها صفا، منحها خالص حبه، ولما اصبحت في ريعان شبابها، اصيبت بمرض عضال، عجر الأطباء عن علاجها، فأشار عليه بعض المقربين ان يذهب بها إلى مكان جنوبي القدس فيه هواء نقي عليل، فاختار هذا المكان الذي سُمي فيما بعد قرية الصفا، وبنى لها برجا في وسط القرية، ما زالت اثاره قائمة حتى الان، حيث شفيت، ثم بعد مرور الوقت تطور الاسم حتى أصبحت قريتنا تدعى بيت صفافا، واستنادا لهذه الرواية اقيم في القرية عام 1936 أكبر مستشفى في فلسطين للأمراض السارية".
هذا المستشفى، كان يشرف عليه المرحوم الدكتور محمود الدجاني، وهو أحد المعالم التي يتوقف عندها عثمان: "خصص هذا المستشفى للعلاج من الأمراض السارية مثل: السل، والربو، وضم أكثر من ستين سريرا، بسبب حرب 1948، وتقسيم القرية إلى قسمين، أصبح المستشفى في المنطقة الحرام المحظور الدخول اليها، وبعد عام 1967، استولت السلطات الإسرائيلية عليه وحولته إلى مدرسة لتعليم التوراة ومستشفى للعجزة".
وارتبط هذا المستشفى بمستشفى (وعر كتن). يصفه عثمان: "مستشفى للنقاهة، يزوره المريض بعد تلقيه العلاج في مستشفى الأمراض السارية. وذلك لوجوده في موقع مرتفع، وبيئة صحية، وبعد حرب 1948، توقف عن العمل، واستخدمها الجيش الاردني كبرج للمراقبة".
البرج هو الأساس
ومن معالم القرية الاثرية التي ما زالت ماثلة للعيان، البرج، يقول عنه عثمان: "يقع في وسط القرية وعلى أعلى قمة في الهضبة، ويتكون من عدد من الطوابق، فيه بئر عميقة في الطابق الأوّل، ومن حوله تتناثر بعض الاعمدة الرخامية المكسرة، وكذلك يعلو الباب الرئيس حجر نُقش عليها بعض النقوش، وهناك درج داخلي يوصل طبقات البرج المتعددة، وللبرج نوافذ عديدة تطل على جميع الجهات".
ويضيف عثمان: "يُعتقد بان سكان البرج قديما كانوا يستعلمون النفق عند حصارهم من قبل الأعداء للوصول إلى بئر الحُمرة وجلب المياه. استنادا إلى الحفريات يرجع بناؤه إلى عهد الرومان، وبعد ذلك جاء الصليبيون وأضافوا عليه بعض الابنية والاعمدة والقلاع والحصون، وقد استخدم مبنى البرج في العصر العثماني كمقر لصاحب الالتزام (الضرائب)، وجميع سكان بيت صفافا، سكنوا فيه قبل نحو 400 سنة".
وارتبط البرج ومنطقة بحياة الناس، قبل توسع القرية، وهو أحد أقدم مساجد القرية الذي يحمل اسم مسجد الشيخ محمود، الذي يروى بانه رجل صالح تنسب اليه معظم الأراضي الوقفية في القرية، يسمى أيضا مسجد البرج. ويقول عثمان عنه: "يقع هذا المسجد في منطقة البرج، وهو من أقدم مساجد القرية، وكان يعتبر المسجد الرئيس للأهالي في ثلاثينيات القرن الماضي، ولم يكن له مئذنة، إلا ان اهل الخير والتقوى في القرية، رمموه قبل عدة سنوات، تم بناء مئذنته وقبته الخضراء، وما زال سكان الحارة يؤمونه ويؤدون الصلاة فيه، ثم وسعوه ورمموه مرة أخرى عام 2012".
أمّا اقدم مساجد القرية، فهو مسجد البطمة، الذي توجد تحته بئر ماء. يقول عثمان: "يعود اصل تسميته، انه قبل انشائه كانت شجرة بطم عظيمة جدا لم يكن في بلاد الشام أعظم منها، وكانت ملتقى لأهل القرية ايام الصيف يتنزهون بجوارها، وقد سقطت هذه الشجرة عام 1860"، وفي مركز احياء التراث الفلسطيني، وثيقة بخصوص شجرة البطم العظيمة.
مصير مؤسف لمعمل الثلج
من المعالم، التي لاقت نفس مصير مستشفى الأمراض السارية معمل الثلج، الذي يقول عنه عثمان: "تأسس هذا المعمل في عام 1936، بمشاركة مجموعة من أبناء القدس، وبيت صفافا. بدأ انتاجه من الثلج بعد اضراب 1936، وكان يحتوي المعمل على ثلاث برك، ووصل انتاجه إلى 400 قالب كل 18 ساعة، وكانت قوالب الثلج تُشحن إلى نابلس، ورام الله، والخليل، وبيت لحم، وجميع أنحاء القدس، وبعد عام 1967، استولى عليه حارس أملاك الغائبين الإسرائيلي بقرار من بلدية القدس الاحتلالية".
الطاحونة، معلم اخر من معالم القرية التي تشهد على جرائم الغزاة. يقول عنها عثمان: "بُنيت في اربعينيات القرن الماضي، والذي بناها رجل من يافا يقال له أبو غندور، كانت تطحن القمح وتشحنه إلى ضواحي القدس. نسفتها العصابات الصهيونية في عام 1948، واحرقت الموتورات، واتلفت كميات كبيرة من الحبوب والدقيق، وهي المطحنة الوحيدة التي كانت تمد أهالي القدس والقرى المجاورة، وقُدرت الخسائر حينها بنحو 100 الف جنيه فلسطيني".
ويتوقف عثمان أيضا عن معالم لم يعد لها وجود مثل بئر أبو خشبة: "عبارة عن بئر ماء، منحوتة في الصخر، كان أهالي القرية، يتزودون من مائها، تقع في منتصف الطريق إلى الطنطور، بالقرب من دار محمد داود حميد، عند توسيع الشارع انطمرت هذه البئر ولم يعد لها وجود".