حدود الحلم الفلسطيني..
مواطنون على حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية مع الجانب الاردني
الحدود الفلسطينية- الأردنية-وفا- جميل ضبابات
يغلي "علي أبو عادل" القهوة على بعد أمتار من سياج إلكتروني مكهرب، ويطير دخان ناره فوق هذا الخط القاتل، لكن الرجل ذاته يقول: إن السماء أقرب إليه من هذا المعدن الممدود على طول الحدود الفلسطينية الأردنية.
ويقول الرجل الذي يطوي كوفيه فوق رأسه عدة طيات من شدة الحر في هذه المنطقة الملتهبة: "قد أصل السماء ولا أصل إلى هذا السياج".
والحدود الفلسطينية- الأردنية، أطول حدود ستربط الدولة الفلسطينية مع دولة جارة، لكن منذ العام 1967 أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلية المنطقة وجعلتها محرّمة، لذلك ينظر أبو عادل وغيره من سكان المناطق الحدودية إلى هذه الأراضي الجيرية كـمنطقة "موت".
ولا يوجد في المنطقة إلا "أبو عادل"، بعد أن غادرها قبل قليل أربعة شبان، فالحدود لا تجذب أحدا، حيث لا يسمع فيها إلا نعيق الغربان على بعد كيلومترات شمال قرية الزبيدات الحدودية.
ومسألة الحدود على خطوط 67، واحدة من تلك التي رفضت الحكومة الإسرائيلية تحديدها كإطار للتفاوض، ما أدى إلى انهيار المفاوضات ودفع الفلسطينيين إلى التوجه لمجلس الأمن، لطلب الانضمام للأمم المتحدة كدولة تحمل رقم 194.
وقال الرئيس محمود عباس في خطابه الأخير، إن "الذهاب إلى الأمم المتحدة ليس الإستراتيجية الفلسطينية، وإنما جزء من هذه الإستراتيجية، التي تهدف إلى إعادة فلسطين بعاصمتها القدس الشريف وعلى حدود الرابع من حزيران 1967، إلى خارطة الجغرافيا، من خلال المفاوضات ذات المرجعية الدولية المحددة".
غير أن أبو عادل، الذي يرعى البقر هنا منذ 40 عاما، لا يعرف شيئا عن استحقاق أيلول.. إنه ينظر إلى السياج، ويرى أن حالة الاحتلال قائمة بوجوده.
أن تعيش بين السماء والحدود، يجعل أفق الحياة محدود ومدى الرؤية قصير... هكذا يراها أبو عادل، المحصور بين جبال من الغرب وحدود ملغمة من الشرق.
وقال الرجل وهو يشير إلى الحدود التي يمكن الوصول إليها في أقل من دقيقة: "نريد سلاما معهم... أستطيع أن أصل عمان بنصف ساعة من هنا، إذا أزيل هذا السياج".
على امتداد عشرات الكيلومترات، من جنوب أريحا حتى حدود الضفة العربية الشمالية الشرقية مع أراضي عام 48 لا أثر ظاهرا هنا، إلا من بعض القرى الزراعية الصغيرة، وهذه الحدود تشكل في جوهرها الجغرافي، أزمة مؤجلة تتعلق بحدود الدولة الفلسطينية العتيدة على أراضي عام 1967.
الضفة الغربية المحاطة بجبال صخرية من ناحية الشرق، تطوقها أيضا نقاط التفتيش التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي والقواعد العسكرية، وبالنسبة للفلسطينيين فإن دخول المنطقة محرم، وقد يكون ثمنه الحياة إن انفجر أحد الألغام في أي لحظة.
وتعزل إسرائيل في هذه المنطقة حسب إحصائيات فلسطينية، "مليونين ومئتي ألف دونم، لا يستفيد منها الفلسطينيون شيئا منذ عام 67، ودمر في منطقة شمال الغور فقط، 40 مضخة مياه كانت هي عماد الحياة فيها".
كان أبو عادل يجلس في ظل إحدى المضخات التي أنشئت مطلع ستينيات القرن الماضي، ولم تدمرها سلطات الاحتلال.
وقال رجال يعملون في الزراعة هناك: "بقي عدد قليل من المضخات الحدودية، والمنطقة ملتهبة هذا اليوم، ودرجة الحرارة في المنطقة التي تعتبر أكثر الأراضي انخفاضا عن سطح العالم، تتجاوز 40 درجة مئوية، لكن سكان المناطق الحدودية في قريتي الزبيدات ومرج نعجة يعملون بجد".
وقال حمزة زبيدات، الناشط في اللجان الشعبية في المنطقة ومدون على مواقع التواصل الاجتماعي: "نضطر للعمل في ساعات الصباح، وفي المساء يكون التواجد هنا محفوفا بالمخاطر".
ويعمل حمزة وشابان من قريته في مزرعة نخيل تبعد أمتارا عن السياج، فيما يتحرك مزارعون في مدى الرؤية المنظور في مزارع حدودها من جهة الشرق السياج المكهرب.
ويلمع في الأفق سراب، وتغطي مناطق نهر الأردن الأغبرة.
الحدود هادئة، وليس سوى الهشيم الكثيف يغطي الهضاب والتلال الصغيرة، التي تفصل الأرض الفلسطينية عن الأراضي الأردنية.
وقف الشاب تحت جذع نخلة، تقطع بطولها قمم الهضاب المقابلة خلف الحدود، وقال "يوما ما كانت هذه الحدود وهمية... لم تكن أسيجة ولا ما يحزنون(...)، لا يفصلنا عن الحدود سوى مترين، لكن نجوم السماء أقرب".
"كان الناس قبل العام 67 يعملون هناك"، أضاف الشاب مادا ذراعه على استقامتها، نحو منطقة منحدرة تقع عندها حواف نهر الأردن الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل.
"كانت المنطقة مركزا لتجارة الخضار وسلع أخرى لآلاف السنين، حيث كانت تنقل الخضار والفواكه إلى الدول العربية من الأرض الفلسطينية عبر ممرات النهر".
في النهار تتردد أصداء سيارات عسكرية يمكن سماعها من القرى الحدودية، تروح وتجيء على طرق ترابية على جانبي السياج.. وفي الليل تخلو المنطقة الزراعية من أثر الفلسطينيين.
"قد يموت من يصل إلى هنا.. إسرائيل نهبت الأرض.. أرض والدي وراء ذلك السياج.. وراء الحدود أرض والدي.. وراء تلك الحدود حلم أبي... حلمٌ أن نجتاز هذا السياج للوصول إلى أرضنا"، قال شاب كان يعمل في جني البلح على بعد أمتار من بوابات السياج.
الحدود الفلسطينية- الأردنية-وفا- جميل ضبابات
يغلي "علي أبو عادل" القهوة على بعد أمتار من سياج إلكتروني مكهرب، ويطير دخان ناره فوق هذا الخط القاتل، لكن الرجل ذاته يقول: إن السماء أقرب إليه من هذا المعدن الممدود على طول الحدود الفلسطينية الأردنية.
ويقول الرجل الذي يطوي كوفيه فوق رأسه عدة طيات من شدة الحر في هذه المنطقة الملتهبة: "قد أصل السماء ولا أصل إلى هذا السياج".
والحدود الفلسطينية- الأردنية، أطول حدود ستربط الدولة الفلسطينية مع دولة جارة، لكن منذ العام 1967 أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلية المنطقة وجعلتها محرّمة، لذلك ينظر أبو عادل وغيره من سكان المناطق الحدودية إلى هذه الأراضي الجيرية كـمنطقة "موت".
ولا يوجد في المنطقة إلا "أبو عادل"، بعد أن غادرها قبل قليل أربعة شبان، فالحدود لا تجذب أحدا، حيث لا يسمع فيها إلا نعيق الغربان على بعد كيلومترات شمال قرية الزبيدات الحدودية.
ومسألة الحدود على خطوط 67، واحدة من تلك التي رفضت الحكومة الإسرائيلية تحديدها كإطار للتفاوض، ما أدى إلى انهيار المفاوضات ودفع الفلسطينيين إلى التوجه لمجلس الأمن، لطلب الانضمام للأمم المتحدة كدولة تحمل رقم 194.
وقال الرئيس محمود عباس في خطابه الأخير، إن "الذهاب إلى الأمم المتحدة ليس الإستراتيجية الفلسطينية، وإنما جزء من هذه الإستراتيجية، التي تهدف إلى إعادة فلسطين بعاصمتها القدس الشريف وعلى حدود الرابع من حزيران 1967، إلى خارطة الجغرافيا، من خلال المفاوضات ذات المرجعية الدولية المحددة".
غير أن أبو عادل، الذي يرعى البقر هنا منذ 40 عاما، لا يعرف شيئا عن استحقاق أيلول.. إنه ينظر إلى السياج، ويرى أن حالة الاحتلال قائمة بوجوده.
أن تعيش بين السماء والحدود، يجعل أفق الحياة محدود ومدى الرؤية قصير... هكذا يراها أبو عادل، المحصور بين جبال من الغرب وحدود ملغمة من الشرق.
وقال الرجل وهو يشير إلى الحدود التي يمكن الوصول إليها في أقل من دقيقة: "نريد سلاما معهم... أستطيع أن أصل عمان بنصف ساعة من هنا، إذا أزيل هذا السياج".
على امتداد عشرات الكيلومترات، من جنوب أريحا حتى حدود الضفة العربية الشمالية الشرقية مع أراضي عام 48 لا أثر ظاهرا هنا، إلا من بعض القرى الزراعية الصغيرة، وهذه الحدود تشكل في جوهرها الجغرافي، أزمة مؤجلة تتعلق بحدود الدولة الفلسطينية العتيدة على أراضي عام 1967.
الضفة الغربية المحاطة بجبال صخرية من ناحية الشرق، تطوقها أيضا نقاط التفتيش التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي والقواعد العسكرية، وبالنسبة للفلسطينيين فإن دخول المنطقة محرم، وقد يكون ثمنه الحياة إن انفجر أحد الألغام في أي لحظة.
وتعزل إسرائيل في هذه المنطقة حسب إحصائيات فلسطينية، "مليونين ومئتي ألف دونم، لا يستفيد منها الفلسطينيون شيئا منذ عام 67، ودمر في منطقة شمال الغور فقط، 40 مضخة مياه كانت هي عماد الحياة فيها".
كان أبو عادل يجلس في ظل إحدى المضخات التي أنشئت مطلع ستينيات القرن الماضي، ولم تدمرها سلطات الاحتلال.
وقال رجال يعملون في الزراعة هناك: "بقي عدد قليل من المضخات الحدودية، والمنطقة ملتهبة هذا اليوم، ودرجة الحرارة في المنطقة التي تعتبر أكثر الأراضي انخفاضا عن سطح العالم، تتجاوز 40 درجة مئوية، لكن سكان المناطق الحدودية في قريتي الزبيدات ومرج نعجة يعملون بجد".
وقال حمزة زبيدات، الناشط في اللجان الشعبية في المنطقة ومدون على مواقع التواصل الاجتماعي: "نضطر للعمل في ساعات الصباح، وفي المساء يكون التواجد هنا محفوفا بالمخاطر".
ويعمل حمزة وشابان من قريته في مزرعة نخيل تبعد أمتارا عن السياج، فيما يتحرك مزارعون في مدى الرؤية المنظور في مزارع حدودها من جهة الشرق السياج المكهرب.
ويلمع في الأفق سراب، وتغطي مناطق نهر الأردن الأغبرة.
الحدود هادئة، وليس سوى الهشيم الكثيف يغطي الهضاب والتلال الصغيرة، التي تفصل الأرض الفلسطينية عن الأراضي الأردنية.
وقف الشاب تحت جذع نخلة، تقطع بطولها قمم الهضاب المقابلة خلف الحدود، وقال "يوما ما كانت هذه الحدود وهمية... لم تكن أسيجة ولا ما يحزنون(...)، لا يفصلنا عن الحدود سوى مترين، لكن نجوم السماء أقرب".
"كان الناس قبل العام 67 يعملون هناك"، أضاف الشاب مادا ذراعه على استقامتها، نحو منطقة منحدرة تقع عندها حواف نهر الأردن الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل.
"كانت المنطقة مركزا لتجارة الخضار وسلع أخرى لآلاف السنين، حيث كانت تنقل الخضار والفواكه إلى الدول العربية من الأرض الفلسطينية عبر ممرات النهر".
في النهار تتردد أصداء سيارات عسكرية يمكن سماعها من القرى الحدودية، تروح وتجيء على طرق ترابية على جانبي السياج.. وفي الليل تخلو المنطقة الزراعية من أثر الفلسطينيين.
"قد يموت من يصل إلى هنا.. إسرائيل نهبت الأرض.. أرض والدي وراء ذلك السياج.. وراء الحدود أرض والدي.. وراء تلك الحدود حلم أبي... حلمٌ أن نجتاز هذا السياج للوصول إلى أرضنا"، قال شاب كان يعمل في جني البلح على بعد أمتار من بوابات السياج.