البلاط 'الشامي'.. عراقة الماضي وجمال الحاضر
عطاء الكيلاني
بجدرانه الملونة بأشكال ورسومات مختلفة من البلاط، وبتاريخ وقِدم المكان استطاع مصنع العالمية للبلاط الملون ببراعة تصاميمه أن يحافظ على مشوار مهني طويل صنعته أيد ماهرة وتوارثته أجيال مزجت جمال الماضي بتطور الحاضر لتحافظ على تراث فقدت الذاكرة جزءا منه.
المصنع القديم تأسس في حارة الياسمينة داخل البلدة القديمة في مدينة نابلس عام 1939، وانتقل منها إلى سوق البصل ومن ثم إلى دوار الشهداء ليستقر في عام 1956 في شارع فلسطين، حيث كان يصنع البلاط الملون سابقا في العديد من المدن الفلسطينية كحيفا ويافا وعكا، ولكن بمرور الوقت تقلصت وتلاشت هذه المهنة في جميع دول الشرق الأوسط لتبقى في مدينة نابلس فقط.
رسومات وزخارف مختلفة تحملها كل قطعة بلاط ملونة لتشكل عند جمعها لوحة فنية رائعة حاملة في ثناياها عراقة الماضي وإتقان الحاضر.
وقال المدير الإداري للمصنع وأحد ملاكه عنان أصلان، إن البلاط الملون يعرف باسم 'البلاط الشامي' إذ يعتقد أنه جاء من الشام، ولكن بعض المصادر تقول انه 'جاء من فرنسا عندما احتلت البلاد'.
العمل في المصنع ما زال على النهج القديم والطريقة اليدوية في التصنيع، حيث يستخدم العمال القوالب والأشكال المستخدمة في الماضي، ويوجد أكثر من 500 رسمة للبلاط أهمها رسمات باب الجامع، وزنبقة، والوردة، والدوالي، والإسلامي، والزنار، والسجاد الشامي وغيرها من الرسومات، إضافة إلى وجود بعض القوالب السادة التي لا تأخذ أي رسمة.
كان الهدف المتجدد لعائلة أصلان من هذه المهنة الحفاظ على تراث فلسطين، ويبرز ذلك من توارثهم المهنة من المؤسس الأصلي للمصنع حمدي جمال أصلان منذ سنوات طويلة.
وكان يصنع البلاط الملون قديماً من الرمل البحري، ولكنه أصبح يصنع من الحجر المأخوذ من قريتي جماعين وعصيرة القبلية جنوب نابلس.
وأشار أصلان إلى أن معظم الطلب على هذا النوع من البلاط يأتي من السياح والأجانب وفلسطينيي الداخل. وتعتبر مشكلة التصدير إلى الخارج من المشاكل التي تواجه المصنع، بسبب عدم وجود رخصة للمصنع من بلدية نابلس، بحجة عدم وقوعه في المنطقة الصناعية.
وقال أصلان: فعليا لا توجد منطقة صناعية في نابلس. لا نستطيع نقل المصنع من المدينة إلى موقع آخر، فهو أصبح أشهر من نار على علم، على حد قوله.
ويتميز البلاط الملون عن غيره من أنواع البلاط الأخرى بإنتاجه البطيء وحاجته للوقت الكبير والتركيز في العمل، وصغر حجمه، وارتفاع سعره، حيث يبلغ ثمن المتر الواحد 140 شيقلا (40 دولار)، وعلاوة على ذلك فإنه كل ما مضى عليه الزمن زاد جمالا ولمعانا.
وأوضح أصلان أن البلاط يتكون من مادة 'الاكوارس' وهي عبارة عن حجر مطحون ومادة الإسمنت بلونية الأبيض والأسود، ومادة 'الجاروسيه' وهي عبارة عن حجر مطحون خشن، إضافة إلى مادة الصبغة أو اللون التي يتم إحضارها من شركة 'باير' الألمانية.
وقال: يتم خلط 1% من مادة الصبغة مع الإكوارس، إضافة إلى مزج مادتي الإسمنت والاكوارس مع بعضهما العض، وبعد مرور 24 ساعة يوضع البلاط في البراميل حتى يجف، ومن ثم يعبأ ويغلف في صناديق جاهزة للبيع.
ونوه أصلان إلى أن تلوين البلاط يتم حسب طلب الزبون، مشيراً إلى أن جميع الألوان ثابتة لا يتغير لونها باعتبارها ألوانا مأخوذة من الطبيعة، باستثناء اللون الأزرق الذي أدخل على البلاط منذ 20 عاما فقط ويعتبر لونا صناعيا.
وأضاف: 'محاولات إسرائيل لطمس التراث والهوية الفلسطينية عديدة، حيث حاولت مرات عديدة أن تنسب صنع البلاط الملون إليها.
واعتبر أصلان حرفة صنع هذا النوع من البلاط حرفة مهددة بالانقراض يجب العمل على إعادة إحيائها، وقال: هذه الأعمال الفنية يجب الحرص على جمعها وإعادة استعمالها كأرقى أعمال الديكور الداخلي الحديث.