صور- بساتين صفورية المهجرة: قطعة من الجنة
توفيق عبد الفتاح
أطلق على أراضيها، قبل وبعد النكبة، "بساتين صفورية"، وهي تمتد على مساحات واسعة من الروابي المترامية بين مفترق الخالدية والناصرة وقبل صفورية البلدة المهجرة. يتوسط مجرى ماء عذب بساتين الرمان والتين والنخيل والحمضيات، وحقول الخضار على أنواعها، وتمتد اليوم على مساحة 200 دونم.
على جوانب المسار الترابي بين الروابي بسطات الخضار الذي يعتبره البعض ذا طعم ونكهة خاصة، بملامح فلاحية قروية لم يتبق منها إلا ما ندر لتشكل لوحة تقليدية من المشهد الفلسطيني قبل النكبة، لكن رغم عبقها الفلسطيني فإن كل ذلك لا يشفع لأصحابها الذين يعيشون الحسرة لأنها التعويض البخس لبعضهم بعد أن تمت مقايضتها بأملاك أصحابها التي تركت في صفورية بسبب النكبة.
تجولنا بين روابيها وضفاف ينابيعها وبساتينها، التقينا عددًا منهم، بعضهم تحفظ لحساسية الأمر ولم يتحدث، وبعضهم تحدث بتحفظ، وتراوحت الآراء بين الإدانة الحذرة لتسوية الأرض وبين التفهم..
أبو مصطفى: التسوية تمت تحت الضغط ولو كنت بالغًا لمنعت..
محمد بركة، أبو مصطفى، من مهجري صفورية، في أواخر عقده السادس ويقيم في الناصرة، يقول: أملك هنا ثلاثة دونمات من الأرض التي أفلحها منذ السبعينيات بعد أن تمت تسوية الأرض بين آبائنا وما تسمى "دائرة أراضي إسرائيل" في سنوات الستينيات، وهي لاتشكل مصدرًا معيشيًا، بل هي ليست أكثر من الحنين الذي يخفف من حسرة الاقتلاع والتهجير، ورغبتنا بالوجود على قطعة من أراضينا التي افتقدناها.
ويضيف: "منذ النكبة ونحن نزرع لأننا نريد أن نكون ملتصقين بأرضنا التي لا نملك غيرها في أجواء فلاحية قروية نخلد إليها من ضجيج وتعب الحياة، ونشعر بقليل من التعويض النفسي.
ويتابع: "حقيقة كان التعويض هزيلا ومحزنا: 3 دونمات مقابل 30 دونمًا من أراضينا في صفورية. رغم أنني أتفهم أباءنا الذين ترنحوا تحت شظف العيش بعد احتلال البلدة ومصادرة الأرض، لذلك قبلوا بالقليل بعد تهجيرهم من أجل معيشة أبنائهم، لكن اليوم عندما نراجع تلك التسوية نجدها غير معقولة، وليس بسبب مبادلة الأرض فحسب، بل لأن الأرض التي أعطونا إياها هي أرض غائبين، وإن عاد هؤلاء يومًا سيطالبون باستعادة هذه الأرض لأنها للمهجرين؟ وناهيك عن كون هذه الأرض تعتبر "بالوثائق الرسمية للدوائر الإسرائيلية حديقة وطنية ومنطقة خضراء يحظر البناء عليها حتى لو كانت مناطر زراعية، أي أعطونا بيد، وأخذوا باليد الأخرى مما يعني أن وجودنا هنا مهدد، ونخشى من الاستثمار هنا أكثر من الزراعة البسيطة.
وختم حديثه بالقول: "صحيح أنني متفهم لآبائنا، لكني لو كنت بالغًا عندما تمت هذه التسوية الهزيلة لمنعت ذلك.
الصفوري: البساتين هي قطعة من الجنة
محمد الصفوري شاب من الجيل الجديد، لكن يبدو عليه ملامح الفلاح التقليدي الذي يعكف على التعامل مع رائحة التراب، ويقترب من نفس الأرض ويستشعر نبضها ويلتصق بها مؤكدًا أن "البساتين هي قطعة من الجنة".
وقال الصفوري: يمنحني والدي هذه الأرض التي تعوضها عما خسره في صفورية بعد التهجير والاقتلاع والمصادرة، ومثلنا عدد من العائلات هنا ممن أتيح لهم لتسوية هذه الأرض مع الدوائر الإسرائيلية أواخر الستينيات تحت الإحباط واليأس من إمكانية استرجاع أراضينا المصادرة في صفورية.
وأضاف الصفوري أنه عندما أبرمت التسوية مع الدوائر الإسرائيلية المختصة رغم أنها مجحفة وظالمة، إلا أن البعض قبلها على مضض، واشترط أصحاب الأراضي أن تبقى نبعة المياه التي تصب من مدخل صفورية وتمر وسط البساتين تابعة للبساتين واستخدامها للري، إلا أنهم فاجأونا قبل سنتين في محاولة للسيطرة على الينابيع، ووصلوا من دائرة المياه وقاموا بتركيب عدادات وألزمونا بالاستحقاقات، إلا أن العدادات لم تعمل ولا ندري ماذا سيكون بعد ذلك.
وحول تسوية الأرض الهزيلة قال الصفوري: "الناس يعرفون أنهم خدعوا، ولكن لا يمكن إرجاع العجلة إلى الوراء، وهم يريدون الحفاظ على الأرض، نحن اليوم ما علينا إلا التمسك بما تبقى، لأننا أصبحنا جزءًا من هذا المكان، بل قطعة منه، نحاول أن تبقى البساتين والحقول خضراء ومزهرة لأن الكثير من الناس الذين يأتون من القرى والمدن المجاورة أدمنوا ارتياد المكان كواحة نادرة بملامحها الأصيلة وجمالها وهدوئها الذي قلما تجده اليوم.
للصور اضغط هنا