ضبابية المشهد العربي - عمر حلمي الغول
منذ ان انطلق قطار الثورات العربية نهاية 2010 ومطلع 2011 والمشهد يميل الى الضبابية والالتباس في الساحات المحتلفة، التي شهدت ثورات او لجمت طموحات شعوبها، وحالت دون التحولات السياسية والاجتماعية فيها. فلا الثورات المنتصرة حققت اهدافها بالتغيير المرجو. ولا الانظمة المحافظة على بقائها نجحت في تأمين الاستقرار المنشود، كونها لم تتمكن من احداث الاصلاح المطلوب.
الحالة العربية تغطيها غيوم كثيفة غالبا ما تفقد المراقب القدرة على التحليل العلمي. وتحول دون محاكاتها موضوعيا، لأن الغموض ما زال سيد الموقف بسبب اختلاط المعايير، وتعاظم التدخلات الخارجية والقوى المحلية المنخرطة في المشهد، وبسبب غياب قوى التغيير الحقيقية، وفي الوقت نفسه، ازدياد نفوذ، واتساع دور قوى الاسلام السياسي التكفيرية وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين.
الانجازات الوطنية والقومية، التي تحققت في مصر وتونس، على اهميتها الاستراتيجية، الا انها ما زالت مع دول الربيع العربي خاصة وعموم دول الوطن العربي تتعرض لحملة ارهاب شرسة، اضف الى تعثر مواجهة التحديات مع القوى الخارجية، التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية وربيبتها اسرائيل، ومع القوى المحلية والفاعلة في الساحات العربية والاقليمية وعلى رأسها التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ومشتقاته من الجماعات التكفيرية «داعش» و«النصرة» وغيرها من الاسماء. وبسبب افتقاد القيادات الجديدة لرؤية برنامجية شاملة، الامر الذي فرض لجوءها للخيار الامني باستثناء تونس، التي تمثل بخصائص تجربتها الوطنية مفتاحا للتغيير الايجابي، رغم أنها تعاني من النواقص على اكثر من مستوى وصعيد.
لا يكفي النظر للمشهد العربي في دول الربيع العربي من زاوية نجاح الثورة في تغيير نظام الحكم هنا او هناك، ولا بمقدار ازاحة جماعة الاخوان المسلمين او التصدي لتجربتهم، بل بمقدار ما استطاع هذا النظام او ذاك تمثيل مصالح الجماهير العربية، وبمقدار ما تمكن من تكريس الخيار الديمقراطي في اوساط المجتمع. وايضا بمدى ما استطاع من حماية مرتكزات البعد القومي في الساحة القطرية والقومية.
كما لا يجوز حصر القراءة للمشهد العربي العام من خلال تمكن الدول، التي حمت أنظمتها وبناءها الفوقي هنا او هناك، بل من خلال القراءة الموضوعية والدقيقة اولا، للثمن الذي دفعته تلك الانظمة لحماية انظمتها، ومواصلتها البقاء على قيد الحياة؛ ثانيا، وللتحالفات، التي رهنت نفسها لها، وثالثا، مشاركة بعضها في نشوء ودعم التنظيمات التكفيرية، والتواطؤ على الدول الشقيقة باسم «دعم» الثورات، وهي احوج ما تكون للثورات والتغيير.
اللحظة السياسية العربية أعقد مما ورد اعلاه. لأنها تتجاوز في تشبيكاتها الشبكة العنكبوتية. لا بل ان الشبكة العنكبوتية، باتت ملك المواطن البسيط، لأن لها انظمة وقوانين وآليات عمل محددة. لكن شبكة التعقيدات العربية، لا قوانين ولا معايير لها. نعم في السياسة تحالفات اليوم قد تكون جبهات خصوم وعداء في الغد. وبالتالي المعادلات السياسية في المشهد العربي على بساطتها، على ما هي أكثر تعقيدا، ويجري ضخ هواء فاسد في عموم ساحاتها وللاسف برضى وقبول من حكامها وصناع القرار فيها.
باختصار المشهد العربي بحاجة الى روافع وطنية وقومية وديمقراطية جديدة لتخطي مرحلة الضبابية، ولاخراج كل دولة من ازمة الهوية، وحماية الدولة الوطنية والنهوض بالتنمية المستدامة، وتعميق خيار الديمقراطية، ولجم النزعات الظلامية الاخوانية، وحماية الاستقلال السياسي والاقتصادي بالمعايير النسبية.