فيديو- القبقبجي' الأخير
تقرير معن ياسين
نصّ بسام أبو الرب
عند سماع صوت 'القبقاب' أو مجرد ذكره، يتبادر للذهن قصته مع الفنان السوري دريد لحام الشهير بـ'غوار الطوشة' في مسلسليه الشهيرين 'حمام الهنا'، و'صح النوم'، وقبل ذلك قصته مع شجرة الدر التي حكمت مصر في القرن الثاني عشر، ولاقت حتفها عقب ضربها بالقباقيب- حسب الروايات.
في مدينة نابلس، وتحديدا في زقاق البلدة القديمة، ما زال الزائر يسمع صوت وذكر 'القباقيب' خاصة عند اقترابه من الحمامات التركية، أو دخوله لأحد المساجد، في صورة تخيل لك مشاهد من دمشق الصغرى كما يطلق عليها.
في أحد زقاق البلدة القديمة، يجلس المواطن وليد عبد اللطيف خضير (65 عاما)، على كرسي خشبي أمام منجرته، وقد بدت عليه ملامح التعب والملل، وهو ينتظر إصلاح إحدى الآلات التي يستخدمها في قص وصناعة 'القباقيب'، وغيرها من الصناعات التراثية التي أصبحت تواجه خطر الانقراض.
خضير الذي يعتبر آخر من يصنع 'القباقيب' في الضفة الغربية يتحدث لـ'وفا' عن هذه الصناعة وتسويقها، فيقول 'تعمل العائلة بصناعة القباقيب منذ عام 1948 عندما كانوا يملكون منجرة في مدينة اللد، وكانت من العائلات المعروفة بهذه الصناعة، إضافة إلى صناعة صناديق لزفاف العروس توضع على الجمل، وأخرى لأسرّة الأطفال، أو ما يسمى بـ'المهد'، والمحراث الخشبي الذي أصبح تراثا في أيامنا هذه.
كما يؤكد تعلمه مهنة النجارة وصناعة القباقيب منذ كان في سن العاشرة على يدي والده وأجداده، باستخدام طرق وآلات يدوية، ويضيف خضير: صناعة 'القباقيب' أصبحت مهنة تواجه الاندثار، في ظل ثورة صناعة النعال البلاستيكية والإسفنجية الخفيفة والرخيصة، وأكاد أجزم أنه لم يتبقَ غيري بهذه الصناعة في فلسطين.
ويتابع: الحمامات التركية والمساجد أكثر استخداما 'للقباقيب'، كونه يتحمل الماء والرطوبة، وتجنبا للتزحلق والبلل وللحفاظ على التقاليد، إضافة إلى كونه صحيا ومريحا في الحركة والعمل في شؤون البيت.
ويشير خضير إلى أن صناعة ' القباقيب' تحتاج إلى مهارة وصبر في انتقاء الخشب أولا، وطريقة رسم القالب الخارجي.
وعن مراحل صناعة القباقيب، يقول: يتم صنع القبقاب بقطع خشب الصنوبر الذي يتحمل الماء والرطوبة على شكل أسافين، ثم نقوم برسم طبعة القدم حسب المقاس المطلوب، وبعدها نقوم بإزالة الزوائد الخارجة على الجانبين، وهذه العملية تسمى 'التفكيك'، وبعدها نقوم بعملية اللف، وهي إزالة الزوائد الأمامية والخلفية من جهتي الأصابع وكعب القدم، وبعدها نقوم بعملية 'التقديد' وهي تشكيل كعب القبقاب، بعد ذلك يأتي دور 'التنعيم' أي حف القبقاب، ليتم طلاؤه، وأخيرا يركب الجلد على القبقاب ليصبح جاهزا'.
ويؤكد خضير أن هناك طلبا على هذه الصناعات، خاصة من قبل أهالي أراضي عام 1948، الذين يأخذونها ربما لأمور تراثية.
يذكر أن النساء كن يلبسن القبقاب داخل البيت، باعتباره مريحا في الحركة والعمل في شؤون البيت، وفي الأسواق والأزقة، وكان الرجال يلبسونه أيضا اتقاء للوحل أيام الشتاء، حيث قال في ذلك أبو الحسن الجزار:
'جبتي في الأمطار جلدي ولُبَّا .... دي ثوبي، وبغلتي قبقاب'
وحسب الروايات فقد لعب القبقاب دورا بارزا في الثقافة، خاصة بعصر المماليك، والملكة شجر الدر التي ماتت ضربا بالقباقيب، كما كان القبقاب في الماضي رمزا للدلع والدلال، في وقت كان الحذاء الأكثر استخداما بين المصريين خصوصا البسطاء نظرا لمزاياه العديدة، ويكاد صوته أن يختفي في الوقت الراهن، حيث تواجه صناعته خطر الزوال.
يرجع تاريخ صناعة 'القباقيب' إلى أيام الفاطميين والعثمانيين، حيث كان يستخدم بكثرة في المنازل والحمامات الشعبية، وكان من الأشياء الأساسية في جهاز أي عروس خصوصا في الريف.