ربيع فلسطين: عالم يتغير
(جميل ضبابات)
الاخضر المبكر مبهر في الضفة الغربية، السماء التي جادت بمطر غزيز جعلت الارض في حالة انتشاء فسيفسائي، لكن كل ذلك ليس مفرحا بالسنبة لعلماء الحياة البرية.
حاملين ضمتي زهور برية من بواكير هذا الشتاء، يطرح اثنان من راصدي التغييرات البيئية في الشرق الاوسط السؤال السنوي الثابت حول النمو المبكر لبعض الازهار البرية قبل السبات الشتوي الطويل.
بدأت ازهار الربيع بالنمو مبكرا، لكن تفتح ازهار شقائق النعمان بالنسبة للرئيس التنفيذي لجمعية الحياة البرية الفلسطينية، عماد الاطرش، 'أمر مخيف'.
اذا كيف يمكن النظر الى تفتح الربيع الجميل بعين الخوف؟
'ازهار مخيف'!، أجاب الأطرش.
يعرض فوق طاولة يجلس خلفها في مقر الجمعية، التي تتخذ من مدينة بيت ساحور جنوب الضفة مقرا لها، سلسلة من الصور التقطت أمس لبعض الازهار في محيط منطقة جنين شمال الضفة. وقال، فيما يشير في الوقت نفسه إلى جدول زمني يبين أوقات النمو: 'نمت قبل وقتها بأسابيع'.
ورغم ظاهرة الربيع المبكر لهذا العام الذي تبع هطولا مطريا اصاب عموم الاراضي الفلسطينية، إلا أن السنوات الماضية شهدت ظواهر مقلقة بالنسبة لعلماء البيئة المحليين والاقليميين.
في المحصلة، يعزو أولئك ما يحصل الى ظاهرة التغير المناخي، فبالنسبة لباحثي جمعية الحياة البرية، فإن اضطراب سقوط الامطار، وارتفاع درجات الحرارة بعد تدنيها خلال فترة وجيزة، أدى إلى نمو سريع للأزهار وازهار في غير أوانه.
وتشير دراسات الماضي إلى أن تحولات كبيرة حصلت على الغطاء النباتي في الأراضي الفلسطينية، وتشير أخرى إلى تحولات في حياة عالم الطيور المقيمة والمهاجرة. فاضطراب درجات الحرارة دفعت الى تزاوج مبكر بين الطيور.
وقال الاطرش: 'هناك غزل مبكر بين الطيور. لو أن ذلك بدأ بعد اسابيع يبدو عاديا، لكنه الآن بكل تأكيد غير عادي'. وتحفل فلسطين التاريخية بكم هائل من عائلات النباتات والطيور، قد يضاهى كبرى دول اوروبا.
وحول رأي الباحثين في علوم التنوع الحيوي، في ماذا يمكن ان يحصل في شجرة عائلة بعض النباتات والطيور نتيجة التغيرات المناخية الجديدة؟
كانت الاجوبة متفاوت، بين خوف كبير يستند الى عمليات رصد سنوية لبعض اصناف الزهور وانواع مختلفة من الطيور، وبين اجابات متأنية، يقبل البعض على وصف ما يجري في عالم الربيع الذي يكون غالبا قصيرا في الشرق الاوسط بأنه 'مقلق'.
وقال الاطرش فيما كان يعرض نبتة 'الحلولو' التي ازهرت قرب بيت ساحور: 'ماذا يعني الازهار الكامل لهذه النبتة في هذا الوقت؟'.
حسب التوقيت النموذجي لازهار هذا الصنف من النبات، فإن نهاية شباط هي الايام المثالية لتفتح رؤوس قممه النامية. الفلسطينيون وغيرهم من سكان بلاد الشام ينتظرون تفتح الازهار بفرح منقطع النظير. اما الباحثون في التنوع الحيوي يرون في ذلك 'فرحا مقلقا'.
'صحيح ان الزهور تتفتح، لكنها تتقزم ايضا (..) انها تعاني من نضج سريع' قال الاطرش. ويردد المعنى ذاته الباحث في التنوع الحيوي د. بنان الشيخ.
لكن الشيخ الذي عمل خلال السنوات الماضية على رصد التغييرات التي تصيب الغطاء النباتي من خلال جولات مشاهدة مستمرة، لا يجزم بحدوث ما يمكن وصفه بالتغيير في الغطاء النباتي. وقال: 'يجب أن ننتظر سنوات أخرى حتى نتثبت بشكل علمي من هـكذا تحول'.
وأضاف أن الامر ما زال بحاجة الى دراسات علمية واسعة تمتد على سنوات، تسجل خلالها ارقام متفاوتة حول النمو المبكر لبعض الازهار في الاراضي الفلسطينية.
في الاراضي الفلسطينية عدة نماذج من المناخات المتغيرة. وكل مناخ يزهر في سياقه اصناف مختلفة من النباتات. وبين المناخ شبه الصحراوي والجبلي تنطلق سيقان النباتات من الارض تبعا لكمية الامطار وارتفاع درجات الحرارة.
لكن كيف يمكن تفسير ازهار شقائق النعمان قبل موعدها في مناخ اقل حرارة من المناخ الغوري في منطقة مثل جنين؟ 'هذا حصل وهذا يدعونا للوقوف: إلى أين تقودنا التغييرات المناخية في كل الشرق'؟ تساءل الاطرش.
في السنوات الماضية، شهدت مناطق مختلفة في الشرق الاوسط حالات مناخية متطرفة، فمن عواصف ثلجية في ذروة الخريف الماضي 2013، إلى انحباس مطري في الشتاء الذي تلى. خاضت بلاد الشام صراعا مريرا مع هذه التحولات.
وقال الاطرش: 'إذا لم يكن هذا تغير في المناخ. ماذا يمكن ان يعني التغير؟'.
في الانحدار الشاق نحو الشرق، هبوطا من سفوح الضفة الغربية العالية، التي بدأت تصطبغ بالأخضر، نحو قاع العالم، الذي نمت فيه بعض الازهار مبكرا، قبل أوانها، يطرح الباحثون السؤال عن مصير نبات السمار؟ الزهرة التي شارفت على الانقراض بسبب جفاف مصادر المياه.
وايضا ثمة اسئلة كثيرة عن 128 عائلة نباتية تعيش تقلبات المناخ في شرق اوسط يعيش كل التقلبات المناخية والسياسية والاجتماعية.
وقال الاطرش: 'هناك ربيعان في فلسطين، الآن نشهد ربيعا في ذروة الشتاء (..)، وسنشهد ربيعا اخر في اعقاب الشتاء. لذلك لا يمكن الحكم على تصرف تلك العائلات النباتية في المستقبل'.