فرخة "المتمدنة" صحيّة
رامي سمارة وإيهاب الريماوي
"مدللات، سحبهن تيار التمدن والرقي"، هكذا ترى حلوة بدح "بنات" قريتها فرخة، الواقعة جنوب غرب سلفيت، شمال الضفة الغربية.
تترحم حلوة وهي تتفيأ بظل شجرة مشمش بجوار بيتها على "أيام زمان"، حين كانت البنات "يسرحن على الزيتون ويقنبن العنب ويقلعن العشب"، اليوم لم تعد العلاقة متينة بين الناس والأرض كما يجب أن تكون.
عاشت حلوة في صباها تجربة زادت ارتباطها بالأرض، فبعد أن اعتقل زوجها ولم تجد من يقف إلى جانبها؛ اضطرت لزراعة الأرض وفلاحتها. أشتال الزيتون والعنب ربتها كما أبنائها.
في عامها الثالث والسبعين، تود حلوة أن تعود لشبابها كي تعلّم صبايا اليوم كيف كانت الدنيا أحلى، وكيف يجب أن تبنى العلاقة مع الأرض، كيف يكون طعم الخبز ورائحة الطابون.
تقول: "اليوم يعيش الناس على الخبز المنتنج آلياً، وإن حنّت الواحدة منهن إلى حياة القرية فإنها تقوم بإعداد الخبز منزلياً مرة كل شهرين، بالأمس القريب كنا نعجن كلّ يوم. لا أحد يعلم كم أشتاق للطوابين".
لم تتردد بوصف نساء قريتها خاصة الصبايا واليافعات بـ"المتكبرات"، حين قارنت بين الماضي والحاضر، "كنّا مع شروق الشمس ننهي الأعمال المنزلية كالتوضيب والكنس والطبخ والخبز، ثم نتجه للعمل في الأرض أو تربية المواشي أو إحضار الماء من النبع، أما اليوم توصُل الأنابيب والأسلاك المياه والكهرباء لأي مكان".
لا يشغل بال حلوة كثيراً انضمام قريتها فرخة منذ 4 أشهر إلى منظمة القرى البيئية العالمية، يهمها أكثر حجم المحصول وكمية الزيت وجودته.
وبالنسبة لرئيس المجلس القروي بكر حماد، كان تنصيب فرخة كأول قرية فلسطينية في تلك المنظمة حلماً تحوّل إلى حقيقة، وكلل جهوداً جمة اشترك بها الجميع.
"منذ أشهر بدأنا في هذا المسعى لتكون فرخة أول قرية فلسطينية بيئية، وواحدة من القرى البيئة العالمية التي وصل تعدادها إلى 1000، وهذا يعني أن قريتنا مميزة برزاعتها وتوجهاتها البيئية، حيث أصبحنا نأكل وأبناؤنا طعاماً صحياً ونظيفاً خاليا من ضرر المبيدات" يقول حماد.
عادت القرية لتعتمد في الآونة الأخيرة على الزراعة العضوية، انطلاقاً من أن البيئة أم لا تظلم أولادها، وهي تمنح البشر صحة سليمة إذا ما حافظوا على التوازن بين عناصرها وحققت بذلك شروط الانضمام إلى الشبكة بعد أن زار وفد منها القرية ومنحها شرف الانضواء تحت مظلة القرى البيئية.
في تشرين الثاني/ نوفمبر، عقدت شبكة القرى البيئية العالمية دورة في قرية فرخة في إطار مشروع "مياه الأمل"، وعلى مدار أسبوعين تلقى المزارعون والأهالي تدريبات وشاركوا القائمين على الدورة خبرات تطوير المجتمع، وصولاً إلى تلبية متطلبات التحول إلى قرية بيئية.
حينها أصبحت فرخة قرية واعدة ومرشحة للانضمام للشبكة لتكون نموذجاَ للتنمية البيئية المستدامة.
وتمثل شبكة القري البيئية العالمية (GEN) مظلة لمبادرات التحول إلى قرى بيئية في مختلف أصقاع المعمورة، سعياً وراء استعادة مكانة الأرض ودورها والعيش بشكل تعاوني.
يضيف حماد: "كل ما نقوم به الآن هو العودة إلى طرق الزراعة القديمة. أجدادنا حتى منتصف القرن الماضي لم يستخدموا المبيدات والأسمدة الصناعية، ولكن الآن تستخدم الكيماويات التي بعضهما محرم دوليا. لا اعتراض على حكم الله، ولكن لم نعد نسمع عن أي بقعة أرض فلسطينية لا يوجد بها مصابون بالسرطان".
انضمام فرخة لمنظمة القرى جاء بعد 13 عاماً من تأسيس جمعية زيت عضوي خاصة بأبناء البلدة، بدأت بـ 9 مزارعين كانوا يشتركون في عصر الزيتون، ويوزعون كميات الزيت بشكل حصص حسب كمية الزيتون المنتجة، وبعد عامين تحسنت جودة زيت فرخة كثيراً وفقاً لتقارير مخبرية واستناداً إلى تضاعف حجم البيع.
وفي القرية أيضاً نادٍ نسوي وجمعية تعاونية تحمل اسم "الحاكورة"، يتيحان للنساء تصنيع منتجات بزيت الزيتون كالصابون، ومخللات تنتج من مزروعات عضوية، ويميز فرخة الاهتمام بالحدائق المنزلية من جانب بيئي بهدف خلق ثقافة عدم استخدام الكيماويات في رش المزروعات والأشجار. أحد أهداف القرية "مقاومة المبيدات والابتعاد عنها"، حسب حماد.
شهدت فرخة عام 2004 تأسيس أول مزرعة عضوية على مساحة 400 دونم، ومنذ عام استأجر المجلس المحلي أرضاً من الأوقاف لمدة 20 عاماً بمساحة 14 دونما ونصف الدونم، بغرض تحويلها لحديقة بيئية تعلمية، يتلقى فيها المزارعون والمهندسون الزراعيون تدريباتٍ على الزراعة العضوية، كنواة لتأسيس حديقة دولية لتبادل الخبرات مع دول أخرى في إطار منظمة القرى البيئية العالمية.
المهندس رأفت بني شمسة، الذي يشرف على المزرعة البيئية في فرخة، سعيد بأن المشروع اجتاز عامه الأول، وفخور بمجهود يبذله في قرية لم ينحدر منها، لاستعادة مكانة الزراعة البيئية التي تستهدف الأرض والإنسان والحيوان على حد سواء.
"في هذه المزرعة التي لم تُفلح منذ 70 عاماً، نقوم بتجهيز المساطر، قمنا بإعدادها وتهيئتها للزراعة بعد اقتلاع ما نما فيها من أعشاب وأشواك، وستستغل لزراعة الفاكهة والخضروات، وستكون مزرعة نموذجية على مستوى الوطن"، قال رأفت وهو يشير إلى أرض تقع شرق البلدة محاطة بإطارات سيارات.
"بوضع تلك الإطارات في محيط المزرعة نجنب الأرض المخاطر المترتبة على حرقها، وهي بديل جيد للسلاسل الحجرية. في إطار القرية البيئية يجب أن نعمل على إعادة تدوير النفايات وتقليل أضرارها على البيئة. كل المزروعات ستكون خالية من المواد الكيماوية بكافة أنواعها، ستعتمد القرية على المواد العضوية في عملية الزراعة، والإنتاج صحي 100 %"، يوضح بني شمسة.
العمل في هذه المزرعة متواصل منذ عام، وعلى المخطط ستصبح خلال 3 سنوات مهيأة لطرح الثمار وتغطية مصاريفها وتكلفة إنشائها وتشغيلها.
تطمح فرخة للانتقال قريباً إلى استخدام الطاقة البديلة، وستعمل خلال سنتين على إنشاء نظام لتدوير النفايات بعد فصلها، " ستتحول النفايات إلى نعمة بدلا من بقائها مضرة"، يقول حماد.