أبو سمرة: أصلحت دراجات هوائية بعدد شعر رأسي!
عبد الباسط خلف: تحتل البشاشة مكاناً دائماً في وجه بسام أبو سمرة، فيما لا تكف يداه وعيناه ولسانه عن متابعة شؤون الدراجات الهوائية، وصيانتها، وتتبع أخبارها، والرد على استفسارات الزبائن منذ أربعة عقود.
يقول وهو يواصل إصلاح عجلة زرقاء اللون: من سنة 1970، وأنا أشتغل في هذه الصنعة، وأجلس في المحل نفسه، وأستخدم الأدوات ذاتها، وأخبر من يأتي لزيارتي من بعض الأطفال والفتية أنني أصلحت دراجات آبائهم وأجدادهم، ويتردد علي زبائن فاقوا السبعين سنة، ولا زالوا يهتمون بصيانة دراجاتهم.
وأبو سمرة، المولود في قرية الجديدة جنوب المدينة العام 1955، رافق صنعته في سن مبكر، بعد أن أزاحته مشاغل الدنيا عن مقاعد الدراسة، فتوق عند الصف الأول الإعدادي(السابع اليوم)، وأتجه إلى طولكرم ليتعلم فنون "البسكليتات" كما يسميها، من العجوز أبو المصرية.
يضيف: كانت الدراجة زمان بسعر 100 ليرة، وتعادل اليوم نحو 300 شيقل، أما اللون الأحمر فقد كان ملك الألوان في السبعينيات، ومعظم الصناعة يابانية وألمانية وبعضها صيني، لكننا اليوم لا نشتغل بغير الصيني.
وصارت الألوان تتغير، وأرتفع عدد الدراجات كثيراً، وتغيرت المدينة من حولي، واختفت بيارات البرتقال والبساتين، لكن المهنة وأدوات العمل والخزائن والرفوف والملصقات، صارت اليوم ابنة 40 سنة.
مرت بأبي سمرة انتفاضات وإضرابات ومواسم حداد واجتياح إسرائيلي، وتبدلت وجوه الزبائن، ولم تعد التراخيص تمنح لها من البلدية كما كان الحال قبل الانتفاضة الشعبية العام 1987، وأصبح يُحب المهنة كثيراً، ويعتبر أول مصلح للدراجات الهوائية.
في ما تشير ملصقات تحيط بجدرانه محله إلى فترات قديمة، فتروج إحداها إلى ضرورة الحفاظ على الدراجة بحالة صالحة، تمهيدًا لترخيصها. غير أنه يضحك كثيرا حين نسأله عن قيمة التأمين الذي يجب على راكب الدراجة دفعه.
ويؤكد أنه أصلح في حياته دراجات تفوق عدد شعر رأسه.
يتابع: أحرص على إهداء أحفادي "بسكليت" في أول حياته، وأولادي وبناتي كلهم ركبوا الدراجة ويعرفون صيانتها، لكنني لم أقبل لأي منهم أن يشتغل فيها، فحرصت على تعليمهم، فشادي درس الهندسة، وفادي مثله، أما بناتي الثلاث فتعلمن الشريعة وعلم النفس.
لا يعترف أبو سمرة بالإجازات، ويسافر يومياً 40 كيلو متراً للوصول إلى مكان عمله، ولا يستخدم غير الدراجة في تنقلاته داخل المدينة، لأنها أسهل وأسرع وأخف وأنظف. لكنه لا ينسى كيف أن عجوزاً جاء إليه واستخدم العجين بدل"الشحمة" لإجبار العجلات على السير، فينفجر بالضحك".